رحل بعد أن أدى الأمانة، رحل بهدوء تاركا خلفه سجلا حافلا بأوسمة الشرف والأخلاق والكرم والهدوء الذي يلازمه كظله، يسير على الأرض بالهون، يتحدث بالهدوء يرحب بك في منزله حتى تشعر كأنك في بيتك. يحيطك مع بناته وأهله بالكرم، فاطمة العقل والفكر، عائشة الدين والتقى، حصة الحب والإخلاص لمن يحيطها، خوات لي هبة الله في سماه ليفي هذه الحياة، ويأتي الموت لكل شيء، ولكن تبقى الذكرى الطيبة والترحم على الفقيد بالدعاء.
نعم، رحل السيد جاسم بن يوسف الجمال الذي أسس وسهل الطريق لآلية عمل المندوب الدائم للدولة لدى الأمم المتحدة، حيث يعد أول مندوب دائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، وتم تعيينه بعد استقلال الدولة في الثالث من سبتمبر 1971، وشهدت فترته تميزا وترابطا في الرؤى والمواقف للمجموعة العربية في المنظمة الدولية، لاسيما من حيث الدفاع عن قضية العرب المركزية والعادلة، القضية الفلسطينية التي أولتها دولة قطر جل اهتمامها وعنايتها، ولاتزال تدافع عنها بقوة في كل المحافل والمؤتمرات والمنتديات على مختلف مستوياتها ومسمياتها.
نعم، لسماع خبر الموت، وخصوصا لشخص مثله ترتعد الأوصال وترتجف اليد في التعبير عن إحساس الألم والحزن الذي يشتت الفكر وتسترجع كل السنوات التي مرت بك بثوان تهزك من الداخل تعبر عنها دموع غزيرة تستذكر الفقيد حين يرحب بقدومي إلى قطر، معربا عن السعادة بزيارتي لهم، وأن البيت بيتي وأنا واحدة من الأهل، بناته وأهله يحيطون بي مرحبين ما يخلق إحساسا جميلا بداخلي أني ضيفة في بيتي في بيت قطري وكل بيوت قطر بيتي، ليس لنا اعتراض، والموت كأس كل شاربه والقبر باب كل داخله.
رحمك الله رحمة واسعة يا أبا رحيما كريما خلوقا، وكلما غمركن الحزن أخواتي فاطمة وعائشة وحصة، فلا تجعلن اليأس في الحياة طريقكن وتذكرن كلماته التي كانت تدفعكن بها للمضي قدما.
موت الأب يخبر بأن الحياة طريق سريع يمر بها الأوفياء المخلصون، ليتركوا في قلوبنا أثرا جميلا، ولعل الله قد أراد أن يذكره الجميع ويدعو له بالرحمة والمغفرة.
جاسم الجمال، يا أرق وأنقى قلب عرفه الجميع من تعامل معه وجالسه، أنا أتألم وأبكي، وكثير ممن عرفه أيضا يذرف الدمع، ولكن هذه هي الحياة. إنسان فرحته في هذه الدنيا بث الفرح في قلوب الآخرين، إنسان عاش للناس، فرح لهم وواساهم وأعان الكثيرين منهم، إنسان قلبه كريشة الطائر الأبيض، ترك خلفه السيرة الطيبة والذكر الحسن، رحمك الله ورطب مثواك ومن مثلك لا يموت ذكره من بناتك ومن الأحبة التي تحيط بك ومن أهل قطر ومنا لك الدعاء بالرحمة والمغفرة، وإلى جنة الخلد جاسم بن يوسف الجمال، ولأهلك الصبر والسلوان و(إنا لله وإنا إليه راجعون).