تنادى العالم المتحضر بحثا عن لقاح يقضي على وباء الألفية الثالثة «الرفيق المتحذلق كورونا»، ولا أعني بالرفيق إلصاق نشأته أو رعايته بدولة شيوعية بعينها، فهذا الـ «كوفيد-19» ما إن انطلق حتى تلقفه الجميع، وجال جميع القارات، واتخذ في كل بلد موطئا ومتكئا لمبيت وطول إقامة، وأما الحذلقة فهي صفته الأولى التي «لا يدعي شرفها، ولا ينكر تهمتها»، فهو العالم المجتهد في علوم الجينات والخلايا، وهو العلامة المبجل في علم الأعراق «الأثنولوجيا» يعلم علم اليقين بأصول الشعوب، وعاداتها، وثقافاتها!
يدخل البرازيل فيتحور وكأنه يراقصهم «السامبا» أو يلاطفهم بمداعبة محبوبتهم الكرة، يزور أفريقيا السمراء الساحرة، فيجلس معهم تحت الشمس اللاهبة، ويرافقهم إلى حيث الأدغال والسباع الضارية، ينتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث القوة في أبهى صورها، فيوقفها على قدم، ويعربد بلا رادع قانوني أو وازع ديني، ويدخل الحيرة والقلق في قلب كبير خبراء الفيروسات فيها د.أنتوني فاوتشي.
ويواصل «الرفيق كوفيد» تنقله المقيت، فيدخل أوروبا زائرا لجميع دولها دون استئذان وبلا تأشيرة «شنغن»، فتحتار «القارة العجوز» بأي لغة من لغاتها الـ 23 تخاطبه، فأخذت تضرب أخماسا في أسداس، تارة تغلق كليا في وجهه، وأخرى جزئيا لوقع الكلفة الاقتصادية الباهظة لضيافته، وهو في كلا الحالتين مستلقيا على ظهره ضاحكا لارتباك وتلعثم ذات «الوجه العريض» كما تسمى باليونانية.
ولم يطل الترحال بالصغير «كوفيد» حتى وصل بلاد الخليج، وبما يملكه من معرفة واسعة بعادات الشعوب - أو هكذا خيل لي - فقد اتجه مباشرة إلى «الديوانية» رمز الضيافة الحديثة في النصف الشرقي لبلاد العرب، فأخذ «يقدع» (يأكل التمر) معنا، ويتبعه باحتساء فنجان من قهوة غنية بالبن اليماني أو النيباري، ويسامرنا في أحاديثنا ونحن في غفلة من أمرنا، ولامبالاة أضحت من طباع عديدنا، وهو في راحة تامة حد الاسترخاء، وما أن تنتهي جمعة الأصحاب والأقارب، حتى يرافقنا بأعراضه المزعجة إلى عتبة دارنا، وشيئا فشيئا تزايدت الأعداد، وأخذت المستشفيات تعج بالأصحاب والأصدقاء، ومن اختلى في محجره المنزلي كثير، ولا من مجيب لكثرة النداءات المستغيثة، وأعداد المصابين بالفيروس في ازدياد مطرد بحسب الأرقام المعتمدة من وزارة الصحة.
فليتنا نردد قول عبدالله بن سعد العجمي ولسنا في مزاح هذه المرة فنقول لـ «الرفيق كوفيد»: «إقدع، عسى يقدع على راسك الذيب»، فنقلل من التزاور، ونحرص على التباعد الجسدي في العمل و«الديوانية» ولا نطيل المكوث فيها.. لفترة من الزمن فقط.
[email protected]