انتهت أكبر عملية إجلاء في تاريخ الكويت الحديث، بعد إتمام عودة المواطنين من جميع دول العالم، باستثناء من رغب اختياريا البقاء في البلد الذي يعيش فيه لأسبابه الخاصة، وقد جاءت عملية الإجلاء متكاملة بكل مراحلها، رغم دقة المرحلة التي شهدتها، والظروف القاهرة التي واكبتها، خاصة أن العالم في حالة أقرب ما تكون إلى الشلل التام، بعد فرض أغلب الدول الحظر الكلي لكل أنشطتها، فضلا عن حركة التنقل بمختلف أنواعه، بعدما هاجمها وباء الألفية الثالثة فيروس كورونا المستجد.
إلا أن الحكومة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها أبت إلا التنفيذ الحرفي الكامل للرغبة السامية لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه، بعودة جميع أبناء الوطن إلى الديار، ليصوموا الأيام المباركة في شهر الرحمة والمغفرة وهم بين أهلهم ومحبيهم، وقد سجلت الكويت قيادة وحكومة وشعبا موقفا مشرفا في جبين التاريخ، سيبقى خالدا في ذاكرة الأجيال المقبلة، وهم يستذكرونه بفخر واعتزاز كبيرين في قادم الأيام، ولعل حكاية «رئيس الديبلوماسية وأم محمد الحشاش» ستكون من بين أجمل الحكايات المروية في أحاديث الغد، لتستقي منها الأجيال عظيم العبر ورفيع القيم.
وزير الخارجية الشيخ د.أحمد ناصر المحمد، وصل إليه بطريقة أو بأخرى نداء مواطن كويتي يُمني النفس بعودة رفيقة دربه وأم أبنائه لأرض الوطن، بعدما تقطعت بها السبل، فحرمتها من الاجتماع بأسرتها الصغيرة ومتابعة شؤونها، أم محمد الحشاش كانت تعيد والدتها المريضة في المكسيك، عندما أوصد العالم أبوابه فجأة أمامها، وأعلن الإغلاق التام، وقطع الطرق البرية والجوية والبحرية، ولم تكن ثمة رحلات إجلاء من المكسيك إلى الكويت، لربما لعدم وجود طلبة مبتعثين هناك، أو مرضى يعالجون أو من السائحين والمصطافين، وما أن وصل النداء إلى الشيخ الشاب، حتى أخذ بالتواصل مع «ابو محمد الحشاش» ليخبره بأن سيدة بيته سيتم إيصالها إلى باب داره.
وما هي إلا ساعات قلائل، حتى تحرك أبناء قائد العمل الإنساني، فتنطلق مركبة من السفارة الكويتية في المكسيك، إلى المنطقة التي تسكن فيها «أم محمد الحشاش» وتبعد 9 ساعات كاملة عن العاصمة مكسيكو، ويفاجئونها بتواجدهم أمام بيت أمها، لتبدأ أولى خطوات عودة «أم محمد» إلى الكويت، وما هي إلا أيام قلائل حتى تم إيصال «أم محمد» لباب بيتها، ويأتي صوت الوزير الشيخ د.أحمد الناصر ـ الذي وعد فأوفى ـ مباركا للمواطن الحشاش بعودة أم الكويتيين لوطنها «قرت عينك وعين أولادنا».
هكذا يكتب التاريخ قيما أصيلة متوارثة جيلا بعد جيل، رحمة وإنسانية، تعاضدا وتعاونا، ولتبقى عادات وقيم أهل الكويت حاضرة في السراء والضراء، ومدرسة إنسانية زاخرة بعطاء أبنائها.
[email protected]