لم نتوقعها أن تأخذ هذا المدى الطويل المرهق، تلك الحملة البغيضة بين عدد محدود من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت ومصر، حتى وصل الأمر بقلة لا تمثل شعبي البلدين، إلى التعدي والتطاول على مرتكزات راسخة قائمة بين «الشقيقين» منذ عقود طويلة، ولعل ما يثير الأسف التداخل الممجوج بين المستحق من المطالب، وتلك التي ليس من ورائها سوى تغذية البغضاء والشحناء، ولا تخلو من أهداف خبيثة في بعض أوجهها.
نعم.. هناك مطالب مستحقة للمواطن كفلها الدستور الكويتي نصا وروحا، وتلك تجد سبيلها من التحقيق والنفاذ عبر القنوات الرسمية والأدوات الدستورية، وحرية الرأي مكفولة للجميع دون استثناء، فوطن قام على تقاسم السلطات، والتشاور بين أبنائه في كل شؤونه، لن يضيق ذرعا بكلمة من هنا أو رأي من هناك، وخلل التركيبة السكانية ليس للمقيم – من أي جنسية كانت - يد فيه من قريب أو بعيد، فجميعهم دخلوا الكويت بوثائق رسمية معتمدة، ولك أن تسأل إن شئت عن كلمة السر «تجار الإقامات»، أما العمل فالأولوية للمواطن في جميع القطاعات الحكومية، والمواطن مقدم على غيره متى ما تساوت الكفة العلمية والمهارة الفنية في جميع دول العالم، والكويت ليست استثناء من هذا الأمر، والجميع يعي تلك الحقيقة جيدا، حتى من ظن بنفسه أمرا كبيرا فإنه يقر بذلك في أعماق ذاته.
ولعل ما زاد التشاحن سوءا في وسائل التواصل الاجتماعي، وأجج الحدة في الطرح، تلك الاحتجاجات التي قامت بها قلة وليس جميعهم من إخوتنا في أماكن الحجز المؤقت قبل ترحيلهم إلى مصر، وعلينا تفهم الحالة النفسية والمادية السيئة لتلك الأعداد البسيطة، فهم بعدما وجدوا أنفسهم بين فكي كماشة لا ترحم خلال ليلة وضحاها، فلا الحلم الذي باع كل ما يملك لأجله تحقق، ولا ديونه في مصر التي تقض مضجعه ليل نهار سددت، والعودة المحبطة أصبحت حتمية، والأهل والزوجة والأطفال في الانتظار، واليد فارغة، وعلى الرغم من سوداوية المشهد، نجد الكثير من المرحلين لمخالفتهم شروط الإقامة قدم الشكر للكويت حكومة وشعبا، ونستذكر في ذلك المقام الكثير من مشاهد الوفاء والتقدير.
مصر التي نعرف أهلها جيدا، آفاق رحبة في كل المجالات، تربطنا بهم علاقات أسرية متينة، وتجارية مزدهرة، ورياضية وثقافية متكاملة، لا يمكن حصرها في رد فعل إنسان محبط، أو مستشار انتفخت أوداجه من خير الكويت فأخذ يقول ما لا يدرك، ويفتي بما لا يفقه، أو مهمش ما ان هدأت جوارحه واستقرت أموره في وطن الصداقة والسلام حتى ظن بنفسه الظنون، فاعتقد واهما بأنه الفاتح والمعلم وصاحب الفضل على الآخرين، المصريون الذين نعرفهم جيدا ليسوا من تلك النوعية البائسة، فهم أصدقاء «ضحكة صافية»، وإخوان «عيش وملح»، ورجال موقف حازم متزن حتى وإن تضرروا في سبيله، كما أنهم أهل كرم عجن بطيب أرض الكنانة ونيلها المعطاء.
مصر العطاء التي أنجبت طه حسين، وعباس العقاد، ومصطفى المنفلوطي، ومحمد متولي الشعراوي، وعبدالباسط عبدالصمد، ومحمد صديق المنشاوي، ومحمد حسنين هيكل، وتوفيق الحكيم، وإحسان عبدالقدوس، وسليمان خاطر، وأمل دنقل، وأحمد شوقي، وأم كلثوم، ومحمود الخطيب، وإبراهيم يوسف، ومحمد صلاح، ويوسف وهبي، وفريد شوقي، وفاتن حمامة، تلك مصر التي في خاطري، تلك مصر التي نثق بها وبأهلها، وللأبد السرمدي عاشقون، وستبقى محبتنا لهم كشذى عطر ورد الفل البلدي الندي، مهما صاح نائح هنا أو هناك.
[email protected]