بدأت أغلب دول العالم في التحلل التدريجي من إجراءاتها الصارمة التي اتخذتها للحد من تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، بعدما ذاقت الويلات الاقتصادية، وعانت شعوبها التبعات النفسية والاجتماعية القاسية جراء التزامها بالتدابير الصارمة، والتي تتمثل في أغلبها بحظر كلي للمواطنين، وإيقاف حازم لكل أوجه الحياة، مع استثناءات محدودة جدا لأطقم الصفوف الأولى المكافحة لمرض كوفيد-19، وهي رغم قسوتها ودقة تنفيذها، فضلا عن تكلفتها الباهظة على جميع المستويات، إلا أنها لم تكن كافية للقضاء الفيروس، لكنها وبذات الوقت حدت من انتشاره وتغوله، لتبدأ الحكومات مجبرة بعد تلاشي الخيارات أمامها، بأخذ الطريق نحو مرحلة العودة التدريجية للحياة الطبيعية نسبيا، رغم مخاطر تلك الخطوة المتوقعة في التعاملات اليومية العادية، أو التبادلات الرسمية والتجارية، والتي من شأنها إن أسرفنا وتجاهلنا أن تنسف كل ما تم إنجازه خلال الأشهر الماضية، إذا ما نشط «كورونا» مجددا وانتشر بين مختلف فئات المجتمع.
وفي ظل عدم توافر لقاح فعال يقضي على الوباء الجديد، فإن دول العالم تعول كثيرا على ثقافة شعوبها، ففي ظل انتشار وسائل الإعلام التقليدي، ووسائل التواصل الاجتماعي الذي أصبح في متناول الجميع، لم يعد خافيا على أحد كيفية الحد من انتشار الفيروس أو تجنب الإصابة به - قدر المستطاع - من خلال جعل التباعد الاجتماعي قاعدة أساسية أولى في حياتنا اليومية وللأشهر القليلة القادمة فقط، فهناك دائما أمل، كما يجب علينا الحرص الدائم على اتباع التعليمات الصحية، والتدابير الوقائية الأخرى، وهذا ليس بالضرورة القصوى يعني الانتقال إلى مناعة المجتمع أو ما عرف طبيا بـ «مناعة القطيع» كما قد يظن البعض متوهما، فالرفع الجزئي جاء بالدرجة الأولى لتخفيف وطأة الأعباء الاقتصادية المرهقة التي تسبب بها كوفيد-19، ولسنا في الكويت بمعزل عن آثاره وتبعاته، وعليه فهو إجراء اقتصادي بالدرجة الأولى، وليس رخصة من الجهات الطبية، التي لاتزال مختبراتها تواصل التجارب، ودراساتها قيد التحقق، والبحث العلمي متصل مطرد يكشف يوما بعد آخر عن تراكيب الفيروس المعقد، ليهدم جدارا من تحصيناته، ومتابعا تحوراته التي لا تنتهي، والوقت يعادل الحياة.
كلمة وزير الصحة الشيخ د.باسل الصباح التي أضحت شعارا يردد «أرجوكم اقعدوا في البيت» والتي تبين مدى خطورة الوباء، لاتزال حاضرة بكل مدلولاتها، ومعانيها المباشرة وغير المباشرة، فاستبدال الحظر الكلي بآخر جزئي لا يعني بأي حال عودة الحياة الطبيعية كسابق عهدها.
وعليه.. وكما أن المسؤولية مشاركة، وقد أبلت الحكومة جيدا منذ بداية الأزمة، وتعاملت مع الوباء العالمي بامتياز، واليوم جاء دور المجتمع بثقافته الكبيرة ليعزز دورها، فيسير المركب إلى بر الأمان والسلامة، بتحلي جميع أفراده بالمسؤولية الوطنية والإنسانية، ولنحاول جميعا عدم الخروج إلا للضرورة القصوى، مع التشديد على التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات الواقية والقفازات في كل حين.. والله خير حافظا.
[email protected]