منذ مقتل الأميركي جورج فلويد (46 عاما) في مدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة الأميركية وحتى دفنه على أنغام الموسيقى بمسقط رأسه في هيوستن، والعالم أجمع تحشرجت أنفاسه صعودا وهبوطا، زفيرا وشهيقا، ليس فقط بسبب فيروس كورنا المستجد (كوفيدـ19) الذي يطبق على الرئتين حدّ الموت خنقا، وإنما في كثير من الأحيان بسبب الأخلاق والسلوكيات البشرية التي يغلب عليها طابع الفردية المتشبع بالأنانية هذه الأيام، وحب التملك بكل أوجهه البشعة من أقصاها إلى أقصاها.
جلس الشرطي ديريك شوفين على رقبة فلويد حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، فشعرنا بالاختناق جميعا، وكثير من شعوب العالم لم يراوده ذات الشعور، عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار بدم بارد على فلسطيني أعزل من ذوي الإعاقة (إياد الحلاق 32 عاما) لترديه شهيدا في مكانه، لم يكن خنقا بطيئا بل بطريقة أقذر وأحط، وذاك ليس لكون فلويد يمتلك الماكينة الإعلامية الأعظم في العالم، والتي أشعلت النار في قلوب الملايين في شتى أنحاء العالم، فخرجت منددة بالفعل الشنيع، فهو لم يكن يملك سوى 20 دولارا مزورة، بحسب من أدعى، جاء يتبضع بها القليل ليسد رمقه، ومهمش لم يكترث أحد لأمره مسبقا، لكن الفعل الشنيع والتراكمات المقيتة، هو ما حرك القلوب الحية، وأشعل النار في الهشيم، ليطيح بمسؤولين كثر ويغير قوانين أميركية بقيت لعقود، وهنا تغييرات قادمة في الطريق الأميركي.
وعلى الجهة الأخرى، قلبنا العربي النابض بأوجاعه الرابض على علاته وآلامه، اكتفى بأسف مزر سرعان ما تلاشى في زحمة الغضب العالمي على مقتل جورج فلويد وهو مستحق، وكفاه ذاك الأسف، فأبناؤه منشغلون بالحدث الأكبر، ولا يريدون أن تفوتهم الفرصة المثلى بتسجيل موقف مشرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي دعما للإنسانية في أقصى بلاد الغرب، ولم يشغلهم كثيرا ذلك القلب الطاهر الذي اخترقته الطلقات الحارقة، ولو كنا بذات العزيمة والإصرار لحولنا «كابينة» الاحتلال إلى مواقد من نار تحتهم، ولأجبرناهم على أسف مذل، وذاك كان لعمري أقل القليل بحق الشهيد البريء إياد الحلاق.