الحياة سريعة والركب يحث الخطى لسبقها أو مجاراتها، ومن تعثر أو تخلف تجاوزته، واستبدلته بآخر نشط متفاعل متأهب لتحولاتها الكبيرة، والتاريخ كتاب مفتوح، يقدم دروسه اليومية بالمجان لمن يتصفحه لأخذ العبرة والعظة، وكم من حضارة تلاشت واضمحلت، فطواها الزمن في سجله الكبير، لتصبح أثرا بعد عين ونسيا منسيا بعدما كانت ملء السمع والبصر، وكما قال شاعر الخضراء التونسي أبو القاسم الشابي:
ومن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها واندثر
الاستغراق في تفاصيل حياتنا اليومية، ومشاكلنا الآنية ومناكفاتها التي لا تنتهي، لن يجعلنا في حل من سؤال الأجيال المقبلة: «ماذا أعددتم لنا؟»، وعدم الرد بإجابة شافية كافية، أو التعذر بكثرة التحديات في الفترات الزمنية المتعاقبة لن يكون مرضيا لأبناء الوطن، ولن يرحمنا أو يتلطف بنا التاريخ من نقده وتقريعه، وقد سألت يوما أحد الاقتصاديين ممن يشار لهم بالبنان، وبعد أن انتهى الحوار الصحافي معه، عما يقلقني من الغد «أستاذ.. كيف سنكون بعد النفط؟»، تفحصني مليا قبل الرد، ليأخذني لإجابة «فنتازية» غير واقعية، تخللتها كوميديا سوداء جاءت في غير موعدها، زادت من القلق الساكن في الأعماق لبعض الوقت، ولم أرهقه بالإلحاح احتراما لتشريفه، وتقديرا لشخصه الكريم، وأحيانا يكون عدم الرد هو الرد بذاته!
قرأت مقالا للشيخ ناصر صباح الأحمد في الزميلة «الجريدة»، وزنه العمر، وثمنه الوجود، وكيف لا يكون كذلك، وهو يؤسس لكويت الغد القريب، والمستقبل البعيد، يذكر بالنظرة الثاقبة والرؤية السامية لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه وأعاده برحمته جلت قدرته مسربلا بلباس العافية وتمامها وشمول السلامة ودوامها، المقال كله عن الرؤية «كويت 2035»، واستثمار نعمة النفط، ويضع السؤال الوجودي الأهم في مواجهتنا مباشرة، «كيف نحقق التكامل بين وفرة المال واستدامة الدولة؟»، وهذا لعمري سؤال القرن، حيث لفت فيه إلى أن «وفرة المال لا تعني بالضرورة تحاشي آثار المشكلات التي نعانيها».
العالم لن ينتظرنا، والعلم متطور، ولن تتوقف حركة الكون إن بقينا على حالنا، والنفط مصدر ناضب، متوافر برحمة من الله اليوم، وغال سعره في السوق العالمية ولله الحمد، وقد لا يتوافر في الغد، أو يرخص سعره، لا سمح الله، حينها يجب أن تكون البدائل حاضرة، بالعلم، بالعمل، بنقلة نوعية مدروسة بعناية تضمن معها التنوع الاقتصادي، تجد الحلول بين يديك حاضرة، فنواصل المسير زهوا بين الأمم.. وسيبقى وطن الصداقة والسلام برحمته جلت قدرته وتعاظمت آلاؤه، ثم برجال الكويت الأوفياء الذين يضعونها نصب أعينهم صباح مساء، منارة يستضاء بنورها إلى يوم يرث الله جلت قدرته الأرض ومن عليها.
[email protected]