من خلال المتابعات السياسية للدول التي تتنوع أطياف المجتمع وفئاته لديها سنجد خللا كبيرا في تلك المجتمعات بسبب عدم مقدرة حكومات هذه الدول على إرضاء جميع الأطراف، وعدم الانسجام بين اطياف وشرائح المجتمع مع بعضهم البعض وهذا النموذج متواجد لدى العديد من البلدان، لذلك تفكر هذه الفئات والشرائح المجتمعية في الانقسام ليشكلوا دولة ذات طابع سيادي خاص بشريحتهم وبما يتوافق مع توجهاتهم ومتطلباتهم!
هنا العراق الذي لم يبرأ منذ سنين طوال، فجرحه أصبح مزمنا ولا يمكن أن يندمل بسبب الأيادي التي باتت مسيطرة عليه، تلك الأيادي التي في عينها اليمنى القتل والدمار وعينها اليسرى حصد الأموال والثروات غير آبهين بتلك الأرواح التي حصدتها حروبهم التي لا تكاد تنتهي.
فأصبح العراقيون مشردين يحملون أرواحهم على أكفهم، ينتظرون موتهم المحتم، بل وأصبح الموت رفيقا لهم بسبب ما رأوه من تنكيل وتدمير ودماء تسيل! فأصبحت أرواح العراقيين رخيصة والعراق أصبح يحكمه التعصب والميليشيات الخارجة عن القانون والجماعات الإرهابية والحكومات الدينية!
لنستذكر في هذه النقطة: عندما نشبت الحرب العراقية- الإيرانية على مدى سنوات لمنع تصدير ثورة الخميني من أجل حماية شبه الجزيرة العربية ودول الخليج والدول العربية من خطر تلك الثورة! ها قد عادت الثورة الإيرانية بعد سنوات وتوغلت بأيدي عراقية في الداخل العراقي.
لذا نستطيع القول بأن العراق قد حكم على نفسه بنفسه بالدمار والهلاك وبدعم عراقي- إيراني دون جدوى في إعادة الأمل.
ولكن يجب على العراق الذي دمر ألا يطفئ شمعة الأمل الكبيرة التي يملكها الأكراد الذين أثبتوا بأنهم دولة من خلال التنظيم والأمن والأمان في إقليمهم والاقتصاد الذي صنعوه ببأسهم وإرادتهم العظيمة وبشعبهم الذي ينظر للمستقبل نظرة ثاقبة وبذلك سيصبح الإقليم نجما عالميا بالإنجازات بعد الاستفتاء.
كيف تسمح الدول المعارضة للاستفتاء بأن تكسر إرادة الشعوب وإرادة الاستقلال، كيف يسمحون لأنفسهم الحكم بالموت على من لديه الأمل الكبير في العيش الكريم؟! فنحن جميعا نعلم بأن الاستفتاء على شيء ما يساوي الإرادة والمطلب الذي يجب أن يتحقق!
وليعلم الجميع بأن ذلك الاستفتاء يعني الخروج من جحيم العراق والإفلات من الموت الذي بات اعتياديا في هذا البلد الذي نهبت ثرواته وآثاره التاريخية التي نفتخر بها جميعا كعرب، فلا تحكموا برفضكم على شعب أراد الحياة.
وايضا من المستغرب أن تركيا تعارض بشدة ذلك الاستفتاء! وكأنهم نسوا بأنه عندما أرادوا في وقت سابق الاستفتاء على تعديلات الدستور التركي الذي يصب في صالح الرئيس أولا والحكومة كان قد جن جنونهم من المعارضين للاستفتاء وكانوا يقولون بأن الاستفتاء هو من الشعب وإليه وهذه إرادة شعبية! ولكنه هنا اليوم يعارض استفتاء كردستان العراق، وكلنا نعلم بأن العدو اللدود للحكومة التركية هم الأكراد لأنهم أصحاب إرادة قمة التناقض وقمة القسوة نراها في الرفض التركي لاستفتاء كردستان!
وكلنا نعلم بأن تركيا وايران اللتين لديهما اقليتان كرديتان كبيرتان أعلنتا ان الاستفتاء سيؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة، كلتا هاتين الدولتين تشعران بالقلق من ان يكون في استقلال أكراد العراق ايحاء للشريحة الكردية عندهما ايضا. اذا ما اخذ الاستفتاء مجراه بالفعل فستكون له تداعياته المهمة على الشرق الاوسط بأوضاعه السياسية الهشة.
وليعلم الجميع بأن الرافضين لأي استفتاء شعبي للانفصال عن دولة ما، ماهو إلا خوف من أن يصبح ذلك مطلبا شعبيا لديهم، فالرفض التركي والإيراني الأوروبي والأميركي هو خوف محتم من الفئات المجتمعية لديهم بأن يطالب أحدهم بمثل ما يطالب به إقليم كردستان.
أتأمل مع الكثير من الناس نجاح الاستفتاء في «إقليم كردستان» واتمنى لهم حياة كريمة في الحاضر والمستقبل بدلا من الظلم والسنين العجاف التي رأوها في ماضيهم الأليم، وبعيدا عن العبث الإيراني الذي ولد الطائفية والفساد وعدم الاستقرار.
[email protected]