كنا لا نصدق بعد تفجر النفط تحت أقدامنا أننا سنمر بمعركة بقاء، وأننا سنقف وجها لوجه مقابل الأرض التي أهدتنا أثمن ما نملك اليوم، الأرض ذاتها هي اليوم أشبه بمرجل يطبخنا على نار ليست هادئة.
فرغم الرخاء الذي تعيشه الكويت والذي لم يتعود سكانها على غيره منذ ازدهار الحياة فيها، نجد اليوم درجة الحرارة في ازدياد متسارع وبشكل غريب نتيجة تدخلنا السافر في ميزان المكونات الجغرافية، ففي حين أننا دولة تنعم بشاطئ طولي محترم، فإننا لا نحترم هذه النعمة حين لا نقيم أي اعتبار لأي توازن بيئي متمثل في مساحات خضراء أو سياسة مدروسة للتشجير، في حين أن التلوث البحري، والذي يعد أيضا تهديدا لمصدر غذائي رئيسي مادمنا لسنا بلدا زراعيا، ينبئ بكارثة ليست بأقل من التغير المناخي في درجة الحرارة، هل نحن أمام فرصة للبقاء ونحن نسير على الخطى ذاتها؟
لطالما كان الإنسان يحارب من أجل بقائه، أي لصالح نفسه، أما اليوم فإننا نستعجل بكارثة تقع على رؤوسنا إذا لم نجمع كلمتنا للخلاص، فهل قضايا مثل: التلوث البيئي، أزمة الإطارات، تلوث الجون ونفوق الأسماك السنوي، الحزام الأخضر، سياسة التشجير، وإعادة تدوير المخلفات بكل أشكالها، مطروحة على طاولة حوارنا الجدية بقدر ما نناقش التسويات والمناقصات والتنفيع والترضيات والمجاملات؟ قد يسعفنا الوقت اليوم ولا يسعفنا في المستقبل.
نحن لا ننتظر حتما أن تكون الكويت مساحة حمراء يقتتل فيها الشعور بالأمان والمصالح المادية البحتة، ولا ننتظر ضحايا من الجانبين، جانب متخذ القرار وجانب معني بتطبيقه، الكويت مساحة خضراء بنوايا شعبها الطيب، ورغبة وتنفيذ حكومتها، خضراء بعطائها الذي لم يتوقف حتى في أحلك أزماتها المالية، فلتكن شجرة كل مواطن هي العمل الجاد في اتجاه الحفاظ على أرضه، ودراسة سبل تخضيرها وتعميرها بشكل متوازن مع قوانين الطبيعة.
وتأتي أهمية هذا الموضوع عندما نرى مشاركة سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد قبل أيام في قمة «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، والتي ربما تعتبر أهم قمة إقليمية منذ سنوات طويلة، وكلمته المهمة في هذا المقام بأن «الكويت ستزيد من رقعة التشجير والمحميات وإعادة تأهيل القطاع النفطي والحد من الانبعاثات»، كما أكد سموه «مساندتنا الكاملة لجهود المملكة العربية السعودية وما طرحته من حزمة مبادرات لحماية البيئة».
ونشير هنا إلى امتلاك الكويت قدرات علمية هائلة متمثلة في معهد الكويت للأبحاث العلمية، حيث يضم دائرة خاصة بعلوم البيئة، والتي من الممكن تفعيل توصياتها والأخذ بالدراسات التي كانت تقوم بها طوال السنوات السابقة.
في الختام، إما أن ننظر الى حياتنا هنا كمن يدخل مغارة مليئة بالذهب، يغرف منها ولا يهمه مصيرها، أو أن نراها كما رآها أجدادنا، صحراء صارت حضارة بالجد والاجتهاد.