استكمالاً لحديثنا حول أشكال التجمعات، الذي حاولنا به جمع كل شاردة وواردة تفيد موضوعنا الذي نتممه الآن بالتجمعات المدنية والتي قد لا تمت بأي حال من الأحوال للتجمعات البدائية والبدوية ولكنها تعتبر تجمعات حضرية شكلا من حيث السلوك الفردي والجمعي أيضا، وفي الموضوع لا تعتبر كذلك من حيث الثقافة، فثقافتها وعقيدتها وبنيتها الفكرية تختلف اختلافا شبه كامل عن التجمعات الحضرية.
٭ التجمعات المدنية هي جماعات تسعى للشكل الأمثل للدولة والتمثيل الأفضل للأفراد، هي مجتمعات تكونت مؤسساتها ومنظماتها بشكل مستقل عن الحكومات وعن سلطة الدولة، ويجمع فيما بينها روابط اختيارية وطوعية، كما أنها تقوم على النشاط الاجتماعي والعمل السياسي، لتفعيل الحياة السياسية وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية وتحقيق مصالحها المشتركة من خلال الأحزاب والجمعيات التعاونية والخيرية والمنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية والنقابات ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها، ولكنها لا تعتبر تجمعات متجانسة نظرا لعدم وضوح الحدود فيما بينها وبين الحكومات والجهات التجارية ومراكز القوى الأخرى.
***
يعتبر مصطلح التجمعات المدنية مصطلحا دوليا وبالأخص بعد ظهور حركات التحرر والديموقراطيات الحديثة، والتجمعات المدنية دائما تعكس عددا من المفاهيم والأفكار أهمها التعددية والمنفعة الاجتماعية والتي تعتبر ضرورية من أجل تحسين الظروف في العالم وإلغاء ما يعوق تحقيقها مثل التعصب والمعوقات الأخرى لحرية العمل والاعتقاد وغيرها.
***
التجمعات المدنية تقوم على الديناميكية والحركة المكانية وعلى التباين الديموغرافي والاجتماعي والثقافي الذي كلما كان واضحا كانت تكامليتها الإنسانية أوضح، ورسوخ الوعي وانسياب الممرات التاريخية بها بشكل أكبر وأيسر.
وبالنسبة للممرات التاريخية فهي تعتبر القنوات الزمانية الناقلة للمجتمعات من واقع إلى آخر والمتنقلة بها عبر ردهات التغيير بعلاقة طردية تقل مسافاتها كلما استطاعت المجتمعات التقليل من المعوقات، وتزيد وتطول كلما زادت المعوقات وتمضي بها بشكل مرحلي ضمن انساق مفاهيمية متسقة تنطلق من الرؤية والتصور مرورا بالوسائل والأدوات وانتهاء بالأهداف الاستراتيجية.
***
التجمعات أو المجتمعات المدنية لها عدة خصائص منها: (التبادلية) بالموارد والأفكار بوضع يضمن تحقيق العدل والمساواة والتفاعل.
و(الجماعية) للشؤون الاقتصادية كالقدرة على المشاركة والتبادل الإنتاجي المفتوح، والتقسيم، وتبادل السلع والموارد.
و(التشاركية) وهي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار.
و(العدالة) هي تحقيق سيادة القانون في العملية السياسية، والدفاع عن الحقوق، مثال: وجوب دفاع السياسيين الممثلين عن حقوق السياسيين الآخرين فيما لو استبعدوا من العملية السياسية.
و(مراقبة الموارد من أجل الصالح العام) وهذا الأمر مرتبط بقدرة الشعب على اتخاذ القرار، ومرتبط كذلك بتدعيم الاقتصاد وتطويره.
و(الاتحاد) وهو اتحاد وتفاعل الشعب مع بعضهم بحرية ودون قيود، تحقيقا للصالح العام.
و(السيادة) وهي مشاركة الشعب في الحكم والمال العام واتخاذ القرار المتعلق بالحياة العامة.
و(المساواة) وهي حصول الشعب على مبدأ تكافؤ الفرص وعلى ذات الموارد بشكل متساو يضمن تحقيق العدالة.
و(المسؤولية) وهي تحميل الجهات المسؤولة مسؤوليتها عن أعمالها من خلال أنشطتها، كإجراء الانتخابات بشكل نزيه، وحرية التعبير، وحرية الصحافة وحرية التنظيم، وغيرها.
***
ختاماً: يقول بيتر اوستينوف: إن الفساد وسيلة الطبيعة لإعادة تجديد إيماننا بالديموقراطية.
وأنا أقول: إن التقوقع والتخلف وانغلاق الآفاق والعصبية الإثنية (قبلية أو طائفية أو عائلية) هي نماذج من التجربة الإنسانية بكل أشكالها البدائية والبدوية والحضرية تعتبر سببا حقيقيا لنعيد تجديد إيماننا بالمدنية.
[email protected]
[email protected]