ابتداء هناك لبس وخلط خطير في الأذهان عند طرح مصطلح «الدولة المدنية»، فهناك من يعتقد أن مدنية الدولة هي بوابة لفصل الدين عن الدولة، وهذا غير صحيح بتاتا، فلا وجود نظريا ولا عمليا لعملية فصل الدين عن الدولة، فلا فصل للأخلاق عن الدول ولا فصل للقيم عن الدول، ولا فصل للمعتقدات عن الدول، كما انه لا فصل للأرواح عن الأجساد.
ولكن دعاة ما يسمى بالعلمانية ومحاربة الأديان والملاحدة عبر العصور يحاولون التزييف وتخويف الناس بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان كالدولة الدينية وفكرة الإسلام السياسي لحكم المجتمعات، وهي ليست إلا مسميات لا أساس لها أوجدت فقط من أجل الضغط على الناس وإرهابهم للقبول بالعلمانية التي ما هي إلا متناقضات ومتضادات لا تصلح نظريا علاوة على عدم صلاحيتها كتطبيق عملي.
***
«الدولة المدنية» هو مصطلح سياسي واجتماعي خضع للكثير من النظريات السياسية والعلوم الاجتماعية التي تسعى للوصول للشكل الأمثل للتجمعات البشرية التي تحقق الرقي والتقدم والأمن والأمان وتحافظ للأفراد على حقوقهم وحرياتهم وتضمن وتنظم أداءهم لواجباتهم.
«الدولة المدنية» هي الدولة التي تحافظ على جميع أفراد المجتمع وتحميهم دون الالتفات لاختلافات الانتماءات الدينية والعرقية والفكرية، وتعنى أيضا باتحاد وتضافر الأفراد الذين يعيشون في مجتمع واحد له دستور حاضن وضمانات فعلية، وتنظم معاملاته وتعاملاته قوانين واضحة ومحددة، وبه قضاء نزيه وعادل يراقب ويقوم تطبيق تلك القوانين.
ومن الشروط الأساسية لقيام هذه الدولة هو عدم تعرض الأفراد لانتهاك أي من حقوقهم من قبل الأفراد الآخرين أو الجهات أو المؤسسات الحكومية والأهلية، فهناك مرجعية قانونية وحقوقية عليا ومستقلة في الدولة المدنية المقترحة توجب وتضمن عدم التمايز بين الأفراد وتحفظ مالهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وهي الملجأ للأفراد والمؤسسات على حد سواء عندما تهدد حقوقهم.
***
تسعى «الدولة المدنية» لتحقيق مجموعة مبادئ، كمبدأ المساواة: إذ تقوم الدولة المدنية على السلام والتسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي والمساواة في الحقوق والواجبات.
ومبدأ سيادة القانون: الذي يعتبر المواطنين متساوين أمام القانون، لا فرق بينهم إلا حسب أعمالهم وليس حسب ألوانهم أو أعراقهم أو دياناتهم.
ومبدأ الثقة في عمليات التعاقد والتبادل: بحيث تكون كل الحقوق المدنية والتجارية مصونة ومضمونة بموجب القانون الذي تطبقه الدولة.
ومبدأ المواطنة وتكافؤ الفرص: وهو ألا يعرف الفرد بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا على أنه مواطن، أي أنه فرد من أفراد المجتمع وعضو فيه له حقوق وعليه واجبات.
ويتساوى في ذلك مع جميع المواطنين الآخرين.
ومبدأ الديموقراطية: وهو تطبيق الديموقراطية الكاملة القائمة على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والتي تمنع أن تؤخذ الدولة اغتصابا من خلال فرد أو حزب أو عائلة أو طائفة.
***
وهذه المبادئ مجتمعة تشكل أسس الدولة المدنية، واختلال أي منها يمنع قيام الدولة المدنية.
وهناك الكثير من الجماعات والأفراد يستوعبون تلك المبادئ دون الاهتمام بمسمى «الدولة المدنية» الذي يثير بعض الجدل والانتقاد، لديهم، ولكننا ومن باب تسمية الأشياء بمسمياتها نشدد على اسم «الدولة المدنية»، رغم أن الاسم ليس بيت القصيد، بل الأهم أن يتمتع المواطن وهو الأساس في الدولة بتلك الحقوق والمبادئ.
[email protected]
[email protected]