قال القدماء: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر. ويؤكد علماء النفس التربوي أن الطفل لديه مقدرة عجيبة على تلقي المهارات الأولية في التعلم بدءا من الشهر السادس وما فوق وليس السنة السادسة أو الرابعة، لأن الخلايا العصبية الدماغية تكون عند الكثير من الأطفال في وضع نشط وحيوي يسمح بتلقي مهارات كثيرة من أنواع المهارات الأولية في التلقي، ونلاحظ هذا بين الأطفال في حياتنا وخبراتنا اليومية، وما نشاهده في البرامج العالمية الرصينة عن المواهب الطفولية في المهارات الحسابية واللغوية والغناء والموسيقى وقوة الذاكرة وغير ذلك من المواهب الطفولية العجيبة التي تؤكد المقولة القديمة التي بدأنا بها مقالتنا.
هل شاهدتم الطفلة المعجزة ذات السنوات الست دون ذراعين مطلقا وهي تعزف بأصابع قدميها على البيانو وتغني أعذب الألحان الشجية؟ إنها معجزة العقل البشري الكامنة في الأعماق، لا تعرف حدودا من عمر أو جنس أو لون.
طبعا هذه المواهب الفطرية صقلت بالتلقين والتدريب المستمر لتفجير طاقاتها الذهنية الكامنة والنادرة، بإخراجها إلى حيز الواقع تحت إشراف مدربين متمرسين في علم النفس التربوي، لديهم فهم دقيق وعميق للعقل البشري وللمواهب والطاقات الذهنية الطفولية وكيفية استثمارها وتطويرها.
وقد يكون الطفل من ذوي الإعاقات المختلفة. وهنا لابد من متخصصين علميين على مستوى عال من الكفاءة والخبرة في هذا المجال، ليأخذ بيد الطفل المعاق شيئا فشيئا ليصل به إلى درجة من الكفاءة والإتقان يتحدى بمواهبه الكبار.
ودائما يطيب في هذا المقام الحديث عن هيلين كيلر ومعلمتها آن سوليفان، وكيف أبدعت تلك المعلمة العبقرية في الأخذ بيد هذه الطفلة العمياء الصماء البكماء إلى عالم نور المعرفة والتواصل الفكري مع الكبار، كما تواصلت مع طه حسين عبر تحسسها الأوتار الصوتية للحنجرة لفهم اللغة المنطوقة بحسب اللغة، بل أكثر من لغة، التي تعلمتها عن طريق هذه المعلمة العبقرية التي لا تقل عبقريتها في التعليم عن عبقرية هيلين كيلر في التعلم أو التلقي.
ومفهوم التعلم المستمر مفهوم شمولي يشمل الطفل المعاق، والمعلم، بل وحتى أولياء الأمور الذين عليهم واجب الرعاية العلمية المنهجية من خلال دورات على مستوى عال من العلمية، يخضع لها الجميع لتكون العملية التربوية التعليمية شاملة لتحقيق الأهداف المرجوة. إن المعلم حين يتابع تدريبه العلمي المستمر في هذا المجال حتما سيحقق النتائج الملقاة على عاتقه. وليس عيباً أن يتلقى أولياء الأمور جرعات من الدورات العلمية في مجال المتابعة مع أولادهم المعاقين في البيت، ولا يتواكلون أو يتكلون على المدرسة فقط، فهي مسؤولية جماعية.
وهنا نشير إلى القائمين على إدارة شؤون ذوي الإعاقات فليس المهم فقط أن يتقلد هؤلاء المناصب الرسمية البيروقراطية دون إلمام علمي كاف بعالم المعاقين ومناهج تعلميهم وفق الأسس العلمية العالمية. فالإداريون الذين يقومون بمجرد زيارات ميدانية تفقدية للحضانات والمدارس التي تعنى بشؤون ذوي الإعاقات المختلفة عليهم أن يكونوا ملمين علميا بعالم هؤلاء ليكونوا على بينة من خصائص هذا المجال الذي يشرفون عليه إداريا فقط. فليس المهم قياس الغرف بدقة هندسية متناهية، مع أهمية هذا، أو التدقيق في شؤون الأبنية بشكل مبالغ فيه بل وفيه شيء من وضع العصي في العجلة وبذلك تكون هي (عائق) من معوقات العمل!. لابد من توفر تخصص علمي أكاديمي والتسلح بخبرات ميدانية في عالم أولئك المساكين ليكون إشرافهم له جدوى.
وإذا انتقلنا إلى قضية التمهين لذوي الإعاقات المختلفة فإن هذه القضية هي الهدف الأسمى من كل مراحل التعليم التخصصي لهم منذ نعومة أظفارهم، لأن هذا الهدف هو الذي سيجعلهم رافدا من روافد سوق العمل المهني بحسب أوضاعهم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بما يحقق الرضى النفسي والثقة وتعزيز الأمل بحياتهم المستقبلية وأن الإعاقة ليست عائقا أمام خوض معترك الحياة مثلهم مثل أي شخص سوي.
ومن المقولات التي أصبحت بديهية في عصرنا أن العالم قرية إلكترونية صغيرة. فعلينا أن ندخل تفاصيل هذا القرية العجيبة متسلحين بالروح العلمية الجادة والمسؤولة. فلا بد من التواصل عبر الشبكات التعليمية التكنولوجية المتطورة في الدول المتحضرة السباقة في هذا المجال، بل ولدينا في محيطنا الإقليمي خبراء ومعاهد متخصصة على درجة من التطور علينا التواصل أيضا معهم.
وأقترح إرسال بعثات اطلاعية وتدريبية إلى دول المحيط والدول المتقدمة في هذا المجال مكونة من نخبة من متعلمين ومعلمين ومسؤولين وإداريين من الهيئات الرسمية الوزارية بل من نخبة من أولياء الأمور لنحقق جميعا مبدأ المنهج الشمولي في تعليم ذوي الإعاقة على أرقى المستويات العالمية.
إنها مسؤولية إنسانية ووطنية علينا تحمل أعباءها مجتمعين بروح من التعاون والتكافل دون معوقات جانبية.