سألت والدتي، رحمة الله عليها، في إحدى المرات: ما الأشياء التي كانت تقلقكم في الماضي؟ فردت ببساطة متناهية وهي ترتشف الشاي: لم نكن نعرف أصلا القلق ولا معانيه، كانت حياتنا بسيطة جدا والأدوار مقسومة لا يتعدى أحد على الثاني، أخبار الحروب والصدامات لا تهمنا بشيء، يتابعها القلة من الرجال وينشرونها، كانت ضحكاتنا تملأ البيت وأحاديثنا لا تنتهى ونفرح بالجميع وللجميع.
انقلاب تام في الحياة بين الماضي والحاضر، بين الشخصية الكويتية القديمة التي كانت تعيش يومها بهدوء وسكينة ورضا وراحة بال، والشخصية الحديثة التي انقسمت إلى قسمين: الأول يمثل القلة من المجتمع وهم الأشخاص الإيجابيون المتفائلون الذين يرفضون أن تتحكم فيهم المؤثرات الخارجية السلبية، بينما القسم الثاني يمثل شريحة لا يستهان بها من المجتمع لا يرون من الكوب سوى الجزء الفارغ، وهم دائمو القلق سوداويو النظرة كثيرو النقد لحياتهم ولكل ما حولهم، ومنهم من يسعى لفرض أسلوبه وتفكيره المضطرب المتوتر على الآخرين.
القلق في الكويت يدور في فلك السياسة والاقتصاد وحماية الوجود للدولة والشعب، جرس الإنذار يعلو صوته في أيامنا هذه لينبهنا إلى ارتفاع معدلات القلق بين أفراد الشعب الكويتي وبالذات الشباب وتأثير ذلك على مجريات الأمور حولنا، والتي تستوجب الانتباه لها.
سنوات مرت، أتخمنا بأخبار الفساد والسرقات والأخطاء المقصودة وغير المقصودة للحكومات السابقة وصراخ النواب وتهديداتهم، والتي لا نعرف هل هي لمصلحة الشعب أم لتحقيق مصالحهم ومصالح مرجعياتهم في الداخل والخارج، مع الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام حسب ما تفرضه أجنداتهم المسمومة.
بعض الصحف اليومية أخذت تتسابق في صياغة المانشيتات الرئيسية التي تفسد صباحك حتى أصبحت عيوننا لا ترى الجمال في وطن الجمال، وافتقد الكثير من الشباب الأمل في وطنهم وأصبحوا يهددون بالهجرة، وأتت «كورونا» لتثير الرعب من معاناة الإصابة والموت والعزلة الإجبارية مع إغلاق المدارس وتعطل مصالح المجتمع ومعها ارتفعت حدة التشكيك في الإجراءات الحكومية وغيرها.
هذه المؤثرات وغيرها ساهمت في ارتفاع معدلات القلق للأسف وانعكس ببروز سلوكيات جديدة في المجتمع الكويتي، فمع فقدان الإحساس بالأمان ارتفعت أصوات النقد والتشكيك والتهديد للخصوم ولو كانوا من نفس العائلة حتى الطعن بالأمهات، وأصبحنا نقرأ أخبار المشاجرات والقتل لشباب، والتحدي لأعراف وقوانين المجتمع والدولة، كما ارتفعت معدلات الكآبة والأرق وأمراض الجهاز الهضمي وغيرها من الأمراض.
نشعر جميعنا ككويتيين بالحزن للحالة التي نعيشها الآن، ويؤسفنا التدهور في صورة الكويت بالداخل والخارج، ونتخوف على الصحة الجسدية والنفسية للمجتمع.
وإذا كانت الحكومة بحاجة إلى دعم الشعب ومساندته، فالشعب أيضا بحاجة إلى إستراتيجية دولة واضحة المعالم يشترك في إعدادها مواطنون متخصصون على مستوى عال وحقيقي في التخطيط والسياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والإعلام والأوقاف، وذلك لانتشال الدولة والمجتمع، ولكي ترجع الكويت «درة الخليج» من جديد.
[email protected]