حدثتني والمرارة تصاحب كلماتها: للأسف تغيرت الكثير من الأمور في حياتنا وقلبنا الموازين حتى تعبنا، العواطف الإنسانية والتي لابد منها أحيانا ضخمناها وبالاتجاه السلبي، كان بيتي في الماضي مفتوحاً للأهل والأحباب، وكان مقرا للتجمع الأسري في أغلب الأحيان، وكنت أستقبل الجميع بحب ولطف ومودة وأجتهد لضيافتهم بكل ما لذ وطاب، ورغم ذلك وجدت من أغلبهم ما يثير خوفي وغضبي، وعلى سبيل المثال إحداهن وهي سيدة كبيرة بالعمر كانت في كل زيارة أو تجمع تحرص على توجيه النقد اللاذع لي ولأبنائي حتى لم يسلم درج المنزل ولا الحوش منها عدا سعيها لإثارتي ضد زوجي أو تشكيكي بذوقي وحياتي وعلاقاتي المتنوعة في أحيان أخرى، اعتبرت كل ما صدر منها في البداية من باب النصيحة والتوجيه المحب، ولكن استمرار النقد المحبط والاستهزاء والتشكيك وربطه في أغلب الأحيان بإنجازات بناتها وأحفادها جعلني أتشكك كثيرا، عدا قيام إحداهن على حين غفلة مني بالمرور على جميع طوابق البيت والدخول للغرف وعد الحمامات والتهويل في الحديث عنهم دائما أمام الآخرين، فاجأتني تصرفاتهم العديدة وأثار حفيظتي بريق الأعين المخيف وتغير الوجوه عند سماعهم أو مشاهدتهم لأي نجاح أو تغيير للأفضل لي أو لأسرتي ولم تمنع الرقية الشرعية حدوث المشاكل والمفارقات الغريبة في حياتنا ما أجبرني على إغلاق بيتي إلا للمناسبات المهمة ولكن بحرص وحذر.
انتهى حديث صاحبة الشكوى ولكنها فتحت أمامي موضوعا حيويا، من المؤلم أن الغيرة والحسد وما يتبعهما من حقد قد تزايدت وتيرتها بصورة غير معقولة في السنوات الأخيرة ودمرت قيماً جميلة ومبادئ كانت تنظم الحياة وتجملها، ما تسبب في مشاكل ومآسي لا حد لها أثرت سلبا على المنظومة الاجتماعية والحياتية للبشر، فالجميع لديهم من القصص ما يشيب له الرأس، وفي المقابل عندما تستمع الى هؤلاء الحاسدين والحاقدين تجدهم يجمعون على عدم وجود عدالة في توزيع الثروات والمراكز والامتيازات والمزايا الشخصية وغير ذلك، فهم حرموا مما يتمتع به غيرهم، ومن حقهم المساواة وتوفير هذه الأمور لهم فهم يجدون أنفسهم الأفضل وكأنهم نصبوا أنفسهم مكان الله تعالى سبحانه موزع الأرزاق.
انغماس الناس في الماديات وسيطرة حب الدنيا وملذاتها عليهم جعلتهم يتناسون الخلق القويم والمبادئ الدينية الإسلامية التي تدعو لأن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك وحولوا الحياة إلى غاية بشرية لجماعة تنتهج الانتهازية والأنانية ويشعرون بالسخط الدائم ويسعون بكل الوسائل الرخيصة الى دفع النعم، وفي الأغلب يتمنون زوال النعمة من صاحبها وقد يؤذون المحسود بالكلام أو بالتصرفات (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم..) «سورة القلم: 51».
الحسد والحقد من الصفات الخبيثة التي تمزق المجتمع وتفرق صفوفه وتورث البغضاء بين الناس لذلك حرمتها الشرائع السماوية، ولقد ابتلينا في عالمنا الإسلامي بهذا الداء فحسدت الدول بعضها بعضا وزاد التناحر والتباغض ونفرت الشعوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دبّ إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء».
قلوب شرسة ونفوس خبيثة كسبت الأوزار وأفقدت الحياة هناءها، ولكن الأبواب لم تغلق تماما ولا يمكننا أن ننظر الى الحياة بتشاؤم، فنحن قوم مسلمون والتفاؤل يظل عبادة نؤجر عليها.
[email protected]