بعد حوار ثقافي سياسي هادئ حول أوضاع الأمة العربية، نصحني طبيبي المعالج خلال مراجعتي الطبية الأخيرة بقراءة كتاب «عقيدة الصدمة» للكاتبة الكندية نعومي كلاين.
كتاب «عقيدة الصدمة» صدر عام 2009م وتتحدث الكاتبة فيه عن رأسمالية الكوارث والتي طبقتها أميركا سياسيا واجتماعيا خلال الخمسين سنة الماضية على الكثير من الدول كإندونيسيا والبرازيل وروسيا وغيرها.
وتدور هذه السياسة باختصار حول تحويل ودمج النظريات النفسية المختصة بمعالجة المرضى عن طريق الصدمات الكهربائية بهدف تحويل أدمغتهم إلى أوراق بيضاء تتم إعادة كتابتها حسبما يلائمهم إلى التطبيق الميداني السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فيتم استغلال كارثة أو أزمة لدولة ما كاحتلال أو انقلاب أو هجوم إرهابي، وقد يكون انهيار للعملات أو السوق المالي المحلى أو العالمي وقد تتعرض الدولة لإعصار أو زلزال ما عندها تتم عملية تغيير المجتمع وفقا لما يريدونه، فحسب النظرية سيتعرض المجتمع لصدمة الكارثة أو الأزمة، رد الفعل الطبيعي في الأغلب سيكون عدم القدرة على استيعاب ما يحدث وسيعيش المجتمع مرحلة رهبة وخوف وسيفقد معها القدرة على التفاعل مع الوضع الراهن بصورة مؤقتة، وهذا سيوفر للقوى المخططة غير الواضحة أن تقوم بتمرير سياسات مدروسة كتحرير التجارة ونهب المال العام وتطبيق قوانين وسياسات مرفوضة شعبيا في الوضع العادي مثل بيع اقتصاد الدولة لقلة، كما حدث في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وغيرها من السياسات التي تتسبب في رفع معدلات الفقر وتنحسر معها الطبقة المتوسطة وترتفع معدلات الجرائم والانهيار الأخلاقي.
بعد قراءتي للكتاب لم أستطع منع نفسى من الانغماس في التفكير وبدأت السيناريوهات تتوالى حول أوضاعنا العربية خلال الثلاثين سنة الماضية، ولو تتبعنا على سبيل المثال وضع المجتمع الكويتي بعد الغزو العراقي 1990م سنجد:
ـ المرارة من العروبة وتمجيد أميركا وأوروبا.
ـ تنامي الإحساس بفقد الأمان وتزايد الهاجس الأمني والخوف من فقد الأمن مجددا.
ـ ارتفاع فاتورة شراء الأسلحة وتراجع الثقة بالأوضاع السياسية.
ـ تزايد مشاعر الإحباط والقلق بين المواطنين وارتفاع معدل الفساد بشكل واضح.
ـ محاولة تحجيم القطاع الحكومي العام مقابل القطاع الخاص.
ـ تكريس واسع للقطاع الخاص في كل المجالات وبالذات التعليم والصحة وتضاؤل الثقة بالقطاع الحكومي.
ـ السعي لمحاكاة الصورة الغربية في الحديث والحرية الشخصية وإهمال اللغة العربية وحتى اللهجة المحلية.
ـ تزايد الاستثمار خارج الكويت وشراء المساكن في الكثير من الدول.
ـ التجنيس المتزايد.
ـ تغيرات واضحة في المنهج الكويتي الأصيل للمجتمع الكويتي.
ـ الهجرة لأميركا وكندا وغيرها من الدول الغربية للعمل.
عندما يتداخل الدهاء السياسي مع الخطط الاقتصادية ببرمجة نفسية سيفقد المنطق دوره وتتعدد الوجوه وتفقد الحكمة مكانها ولا نقول إلا قوله تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال 30).
[email protected]