الشك صفة بشرية، لها جوانبها الإيجابية والسلبية، فإن كانت للسعي وراء المعرفة وتحقيق مستوى أعلى للجودة والرقي والوعي الإنساني، فهي في خانة الشك الحميد كأن يشك الطالب بتفوقه فيدرس بصورة أفضل أو يشك الطبيب بمدى دقة معلوماته عن الحالة المرضية، فيبحث ويقرأ حتى يصل لما هو أفضل لصحة المريض ولكن إن طفح إلى السطح التشكيك بأفراد ونظم وعقائد وأمور مختلفة نكون قد دخلنا في الوباء المميت.
انقلبت في زمننا المعاصر نظرية الفيلسوف الفرنسي ديكارت المعروفة (أنا أفكر فأنا موجود) لتصبح (أنا أشك وأشكك بالآخرين فأنا موجود ومشهور)، فبدأ الشك بالذمم والأفعال والنوايا ومصادر الأموال وغيرها، واتخذ البعض من التشكيك هواية لهم أو حرفة تدر عليهم ثروة مالية مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها بين جميع فئات المجتمع والفضول البشرى للأخبار فنسجوا خيوط الشائعات بدقة واحترافية عالية ودعموها بفيديوهات مفبركة ودراسات مزيفة ومعلومات مغلوطة وقد يعرضون وصفات طبية خاطئة، مستغلين التكنولوجيا الحديثة وسرعة نسيان البشر للحقائق، أصبحوا هم أصحاب الصوت العالي وأخذوا يتسلون باللعب بالآخرين حسب أهوائهم وشهواتهم المريضة، وإن تجلت الحقيقة كالشمس الساطعة يستمرون في العناد والمكابرة ومعها تزداد حمى التشكيك، ونحن نقرأ ونتابع الهجوم على فلان وعلان والشركة الفلانية وغيرها، وتمادى البعض حسب خططهم لنشر سمومهم والتطاول على المواطنين والتشكيك في قدرة المواطن العادي أيا كان منصبه أو مركز عمله على الأداء الجيد والإنتاج وبما يسهم في رقي ونهضة الدولة.
زيادة التشكيك أمر مفزع وخطير فهل يعقل أن نشك في الجميع وهل نملك الحق في محاكمة بعضنا البعض لمجرد الظن ولانتشار الشائعات وبدون أسانيد واقعية، إن انصياعنا اللاشعوري وراء المشككين وأدواتهم الخبيثة سيؤدى بنا إلى تجاوز حدود الشك والذي يعتبر العدو الرئيسي لأماننا النفسى وطمأنينتنا الداخلية كما أنها سترفع من معدل التوتر والاضطراب لدى الأفراد والمجتمعات وانتشار الحيرة مما سيؤثر سلبا على الأداء العام، إن رؤيتنا للأمور ستكتنفها ضبابية كبيرة تغطي الحقيقة وتذبذب التفكير وتقود الأفراد إلى جدال عقيم وسيكون على الذين تعرضوا للتشكيك أيا كانوا مواطنين أو موظفين أو قياديين أو محال تجارية وشركات أن يجاهدوا لإثبات الحقائق وبهذا نظل ندور في فلك التشكيك والدفاع.
التشكيك المستمر سيلون الحياة بلون السلبيات القاتم وسيساهم في انتشار الكراهية والبغضاء والعداوات، وسيقضي على ثقة الأفراد بكل شيء حولهم مما سيزيد الإحباط العام والأمراض النفسية وسيصبح المستقبل على كف عفريت ومعها سيكون الفرد هشا خائر القوى ضائع الفكر، وبهذا يكون المدخل الواسع لأعداء الدين الإسلامي للتشكيك بالدين ومصادره الأساسية القرآن والسنة النبوية وتاريخنا الإسلامي والقيم الإسلامية والمبادئ والأخلاق.
إن مفتاح الأمان لنا هو في حسن الظن بالآخرين والثقة التامة بالله والرضا بالقدر خيره وشره، عندما نتيقن أن حسن توكلنا على الله سينجينا من كل سوء لن يتمكن المشككون من التلاعب بنا أبدا.
[email protected]