شاهدت في مشهد واحد وفي وقت واحد صورتين متناقضتين، فالطاولة التي بجانبي تجلس عليها أسرة صغيرة شابة، مكونة من زوجين وطفلهما الذي يتعدى عمره 4 سنوات ومعهم المربية، عند قدومهم للمطعم كان الطفل جالسا في العربة التي تدفعها المربية، الطفل جميل ونظيف، ملابسه من ماركة معروفة، جلس الوالدان وقامت المربية برفع الطفل من العربة وأجلسته على الكرسي العادي، ولأن طبيعة الأطفال حب الاستكشاف مد الصغير يده وتناول الملعقة الموجودة على الطاولة وأخذ يفحصها.
أصدرت الأم أوامرها فقامت المربية باستخراج جهاز الآيباد من الحقيبة المعلقة على العربة وقامت بتشغيله، لم يهتم الطفل بالجهاز ونزل من الكرسي وأخذ يحرك الملعقة في الهواء ويلعب بمرح وهو ينظر لوالديه بسعادة، أمسكت المربية الطفل بقوة وجاهدت فترة معه حتى خلصت الملعقة من يده، بدأ الطفل بالبكاء وبصوت خافت جدا أمسكت يده ومشت معه لداخل المطعم، اختفت قليلا ثم رجعت وبيدها كرسي «الحباسة»، حملت الطفل الذي كان يصارع فقامت الأم من مكانها وتعاونت مع المربية لحشر الطفل داخل «الحباسة» الصغيرة، وضعت الخادمة مصاصة الأطفال في فمه لإلهائه، كان الطفل يبكي ويرمى المصاصة والمربية تعيدها وتحدثه لمتابعة جهاز الآيباد، فاستسلم الطفل في نهاية الأمر وبدأ بالمتابعة، وضع الطعام على الطاولة وللمربية طلبها الخاص، جلسوا أكثر من ساعة ولم أشاهدهم يحدثون الطفل بالمرة، ولم تهتم الأم بتاتا حتى بإطعامه وهو الجالس أمامها، كانت المربية تناوله قطعا صغيرة من البيتزا ليأكلها ومع اندماجه بالشاشة التي أمامه كان يخطئ بالأكل لتسقط قطع العجين والزيتون والخضراوات على الأرض وتشكل دائرة متعددة الألوان.
الطفل المسكين ومن على شاكلته سيعانون مستقبلا من الحرمان العاطفي والاضطرابات النفسية وستتراجع قدراتهم الاجتماعية واللغوية كما سيدمنون الأجهزة التكنولوجية التي ستضعف من أبصارهم وتسهم في ازدياد الخمول والانطواء كما سيتعودون على عادات جديدة من كثرة الاحتكاك بالخدم.
الأسرة الثانية التي جلست مقابلي لزوجين شابين ومعهما طفلة جميلة يتعدى عمرها العامين، كان الوالدان يلاعبان صغيرتهما بحب ويقتسمان العناية بها، عندما رغبت الطفلة بالمشي كانت الأم إلى جانبها تحادثها وتشجعها وتضحك لها، والأب يلتقط لهما الصور عبر الموبايل، هذه البيئة السليمة ستساهم في تمتع الطفلة مستقبلا بالاتزان العاطفي والثقة بالنفس.
الأطفال أمانة في أيدي الوالدين والتربية السليمة تساهم في خلق جيل مستقر صالح لبناء الوطن.
[email protected]