لبيت الأسبوع الماضي دعوة خاصة لتناول وجبة الإفطار في أحد كافيهات مجمع الكوت الجديد الراقي، لم أتوقع أن أحاديثنا المتنوعة عن منطقة الفحيحيل ومزارعها القديمة ستثير العديد من الشجون وستسحبنا إلى ماضينا الجميل وذكرياتنا التي أخذت بالتدفق بغزارة ومن بينها ذكرياتنا حول كيكة الجلاد المشهورة بالفحيحيل فقط وقوامها الهش اللذيذ.
للتوضيح لمن لا يعرف كيكة الجلاد وبالذات الأجيال الشابة، هذه الكيكة الإسفنجية تعتبر من علامات منطقة الفحيحيل البارزة، حيث ينفرد مخبز واحد فقط في الكويت بإعدادها بالشكل والطعم المميزين، ولنا معها ذكريات جميلة، فقد كان أهل الكويت إذا كشتوا (ذهبوا للنزهة) في الأحمدي أو الفحيحيل يقومون بشراء الكيكة من المخبز الوحيد المشهور بإعدادها وتقدم كهدايا للأهل والجيران، الجلاد الذي يلف الكيكة ذات الشكل المستطيل هو جلاد ورق لونه بني، وكنا نستعمله في الماضي لتجليد الكتب والدفاتر وقام أصحاب المخبز بابتكار مميز بتغليف الكيكة بالجلاد الورقي فأصبح لصيقا بها حتى يومنا الحاضر وعنوانا ناطقا لها.
علي الرغم من كثرة الحلويات في هذه الأيام وتنوعها إلا أن نفسي تمنت تناول كيكة الجلاد، فأخذت العنوان وقضيت أكثر من ساعة في البحث عن المخبز دون جدوى فطلبت مساعدة ابني وبعد جهد جهيد وجولة في أرجاء وضواحي الفحيحيل وصلنا للمخبز واشتريت عددا من الكيكات بالجلاد لأسرتي والأهل والأحباب، سألني ابني بدهشة عن سر سعادتي وابتسامتي الواسعة لمجرد شراء كيك نستطيع الحصول على أنواع أفضل منها بكثير؟
القضية ليست الكيكة في حد ذاتها، وحتى أكون أكثر دقة للقراء فمهما حاولنا الكتابة أو التفكير سنعجز عن تفسير ذلك، فعندما تهل رائحة الذكريات عن قصد أو لا، عندها ستصبح مفارقتها لعقولنا أمرا صعبا، ونجد أنفسنا نرجع لأحداث بارزة في حياتنا ونستشعر كم هي مهمة، قد نعتقد أن بعض الأحداث قد تبخرت من عقولنا وأننا نسينا ولكن النسيان ليس بأيدينا، فالذكريات القديمة تظل عالقة في زوايا قلوبنا وعقولنا خاصة إذا ارتبطت بالمشاعر فترتسم من جديد البسمة على شفاهنا، وقد نذرف الدموع كما ذرفناها في الماضي، إنها ذكريات جيل كان في لمة أفراده فرح صادر من القلب وأنس لوجودهم مع بعض ومشاركتهم اللحظات بكل ما فيها، حتى الأماكن يظل لها عبقها الذي اكتسى بألوان ومشاعر أبت أن تفارقنا، أيقنت بعدها أن هناك أمورا لا تكون ليد النسيان سلطة عليها، وتظل الذكريات سجل تاريخ البشر الخاص بكل فرد.
[email protected]