باتت ظاهرة التنمر وما يصاحبها من عنف مشكلة تؤرق أولياء الأمور ومختصي العلاج النفسي والخدمة الاجتماعية خاصة أنها أصبحت من الظواهر العالمية التي تعاني منها الدول المتقدمة ودول العالم الثالث، وللتنمر أشكال عدة فهناك التنمر الوظيفي والتنمر العرقى والتنمر الاجتماعي والذي يندرج تحته ما سنحدث القارئ العزيز عنه والذي وصفته بالتنمر المجنون لأنه يصدر ممن يفترض أنهم في سن النضج سن الوعي والحكمة وحسن التصرف.
وللتوضيح للقارئ فإن التنمر سلوك عدواني مقصود باللفظ أو الفعل يهدف لإلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بشخص آخر، وبما أن البشر تختلف طباعهم وسلوكياتهم باختلاف العوامل المكونة لشخصياتهم فإن الأشخاص الذين تتضخم لديهم الأنا يرون أنفسهم بمنظار التضخيم وإذا ارتبط ذلك بمكانة اجتماعية أو وظيفية أو اقتصادية فإنه يبيح لنفسه أن يطاع ولا يعصى.
قيمنا الإسلامية العربية تدعو للترابط والاحترام ولكن النوعية المريضة المتسلطة تنظر للطرف الآخر والذي قد يكون قريبا أو صديقا متميزا بمواهب اجتماعية أوشخصيه تثير غيرتهم وقلقهم بنظرة العدو والند الذي يجب أن يلغى فيسعون لعزله اجتماعيا وبأساليب وضيعة ويتحقق ذلك بأساليب كالإهانة ونشر الأكاذيب والإشاعات ونقد أسلوب الضحية في الحديث والملبس والتصرف ورفض اختلاط الضحية بالآخرين عن طريق التنمر على من يختلطون به ويصادقونه وتشجيعهم على ترك صحبته وعدم الاقتراب منه بحجج كالمحافظة على العلاقات الاجتماعية العائلية أو الجيرة أوالنسب أو المكتسبات الوظيفية، المهم أن يترك الطرف الآخر وحيدا حسب رأيهم وفى الواقع لا يوجد شخص وحيد فالحياة متجددة في كل شيء.
غالبية المتنمرين في هذا المجال ليسوا بالمراهقين ولا الشباب المندفعين بل هم أشخاص بعمر متقدم يفترض أن يعملوا على زرع الألفة والمودة ولكن حبهم للسيطرة والهيمنة وشخصياتهم النرجسية المتكبرة تأبى وجود المتميزين داخل دائرتهم لأنهم يزعزعون ثقتهم بأنفسهم ويشعرونهم بالقلق على مكانتهم وللمحافظة على صورة ذاتهم التي يعشقونها، يستخدمون كل الحيل والأساليب وبفظاظة ويؤذون بلا رحمة ولا إنسانية ويندرجون بذلك من ضمن فئة المفسدون في الأرض.
قد يقول قائل إن الكبار بالعمر دائما يتصرفون بغرابة وعلى الطرف الآخر التحمل والصبر فاحترام الكبير سنا ومقاما وتوقيره أمر ملزم في قيمنا وديننا، ونحن نؤكد ذلك، ولكن هل يستوي الصواب والخطأ وهل الأعذار ترص رغم كل السلوكيات الخاطئة لطرف واحد فقط على حساب الطرف الآخر؟ وهل يلام الطرف الآخر إذا غضب لذاته ورفض التسلط واتخذ الوسائل التي تحفظ له كرامته وإنسانيته؟.
لا يمكننا إنكار ان هذا السلوك خاطئ دينيا واجتماعيا فلا يملك أي شخص الحق في أذية أي طرف نفسيا أو جسديا أو حتى معاتبته على ردود أفعاله، فالقضية ليست بالأمر البسيط بل قضية تسلط وقبول آخرين لذلك وعدم نصحهم له وأخذهم بيده لمنعه من الاستمرار في الأخطاء المتكررة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وما يؤلم هو تنازل الآخرين عن قراراتهم الذاتية وقبولهم أن ينقادوا حسبما يرتضيه لهم وهم بذلك ساهموا في المزيد من الأخطاء في حق الطرف المتميز ومن معه.