للوهلة الأولى تبدو الكلمتان متشابهتين، ولكن عند التدقيق نجد أن النقطة في الكلمة الثانية انتقلت لحرف الفاء فانقلبت قافا وهكذا أصبحت الكلمتان مختلفتي النطق والمعاني اللغوية والإنسانية، وما بين التحفيز والتحقير من انقلاب المعاني ما يجعل لهما قوة في بناء أو هدم الإنسان والمجتمع.
التحفيز ببساطة قوة داخلية هائلة تحرك المرء وبهمة عالية للوصول لأهدافه المرجوة فعن طريق كلمات مشجعة أوإعطاء حوافز مادية أو معنوية ترتفع معنويات الشخص وبشكل إيجابي فيقدم أفضل ما لديه وبكفاءة عالية مما يساهم على زيادة الإنجاز الذي يقوم به ونستطيع أن نعتبر التحفيز وقودا محركا لكل ابتكار أو عمل مميز ونافع.
النفس الإنسانية تميل للراحة وتؤثر السلامة، ولكن لو أعدنا شحن الإنسان بقوة كهربائية عالية عن طريق كلمات التشجيع المختلفة وغيرها من الحوافز وبأسلوب واعٍ وبفن وإدراك سنرفع من مستوى العطاء والإنتاجية كما سيساهم ذلك في ضبط السلوك أيضا، لا يضرنا بتاتاً توجيه كلمات طيبة مشجعة لأبنائنا أو لمن حولنا من أحباب أو الموظفين، مثل: أنت شاطر أو أسعدني اهتمامك بالمذاكرة، انني أفتخر بك. إنها مجرد كلمات أو سلوكيات إيجابية بسيطة نحتاج أن نتعلمها ونستمر عليها ولن تضرنا شيئا ولكنها ستسهم بقوة في الارتقاء بحياتنا وحياة أبنائنا ومجتمعنا.
وتحضرني واقعة حكاها لي أحد الأقارب ففي البنك الذي يعمل به كان احد الأقسام الرئيسية ويعتبر دينامو البنك لا يتجاوز عدد موظفيه أربعة أشخاص مع مديرهم ولكن كانت نسبة الإنتاجية عالية جدا والتعاون بين الموظفين مرتفع، وبعد استقالة المدير انخفض مستوى الإنجاز بالرغم من زيادة عدد الموظفين، وتبين بعد البحث أن المدير السابق كان يعتمد على التشجيع المتواصل وحفز الموظفين وبأساليب متعددة مرنة جمعت الموظفين في دائرة عطاء عالية وبمنافسة شريفة.
المجتمعات العربية تتسم وللأسف الشديد بتفوقها في تفتيت قدراتها فنقسو على بعضنا البعض ويرتفع معدل توجيه اللوم والتجريح والنقد والتشكيك والاستخفاف بالآخرين واحتقارهم والاستهانة بآرائهم وأعمالهم إلى حد الشماتة، وجوه قبيحة تتنافى مع عروبتنا وأخوتنا الإيمانية، وجوه متفوقة في التحقير وتحطيم الروابط الاجتماعية وتسفيه النجاحات، أصبحنا نتشكك في كل نجاح فجلدنا ذواتنا بقوة وضخمنا أخطاءنا حتى أصبحنا نرى الصواب في الغرب والخطأ فينا فمن الخزي أن نتحدث بالعربية حتى في بلادنا أو نرتدي الملابس العربية في دول أوروبا، مع ان الهنود والأفارقة يتمسكون بموروثهم الثقافي في كل مكان يكونون فيه، ومن الخطأ أن نتحدث عن نجاحاتنا على الصعيد الشخصي أو المحلى، وبالغنا في تحقير الخصوم إلى حد الافتراء عليهم مع نشر الإشاعات بدون أي رادع اجتماعي أو ديني، اقتلعنا بأيدينا جذورنا العربية العميقة والتي تشكّل هويتنا وثقافتنا الأصيلة وأصبحنا نرى وبألم أجيالا مهزوزة ضائعة.
من الصعب أن نتحسر على مجتمعنا الذي كان رمزا للنشاط وعلو الهمة، ولكن نحتاج للجرأة لمواجهة عيوبنا، نحتاج أن نكسب الحياة بتحفيز ذواتنا للانطلاق الإيجابي من جديد مع التمسك بثوابتنا الأصيلة، ومهما كان القادم مجهولا فغداً يوم جديد والشمس تشرق ساطعة كل يوم لتخبرنا أننا قادرون على الحياة وبنجاح.
[email protected]