زمننا هو زمن الضوضاء والصراخ بالصوت العالي، فالكل يتكلم ويفتي في كل شيء والحقيقة غائبة لأنهم فقط لا يريدون أن يشاهدوها، وبما أن الأزمات تأتي من دون استئذان وبلا طرق مسبق على الأبواب فإن معادن البشر تظهر على حقيقتها بلا أقنعة مركبة ولا مكياج يزين وجوههم ولعلها الزاوية الحقيقية للمعرفة.
بلاء فيروس كورونا نالت منه دول العالم نصيبها وما زالت حتى يأتي فرج الله، والكويت كبقية الدول قامت بإجراءاتها لحماية مواطنيها وهنا يحق لنا التوقف للمناقشة، ونحن لا نبخس الحق أبدا فإجراءات الطوارئ لوزارة الصحة كانت سريعة وعلى مستوى الحدث وبروح المسؤولية العالية لتحقيق الأمن الصحي، ولكن تظل للحكومة اعتباراتها الخاصة والتي تسببت في ذعر المواطنين، كما تصدرت مجموعة بسيطة من النواب الساحة بالتهديد والوعيد والمتاجرة السياسية سعيا وراء مصالحهم الانتخابية مع الضرب بصحة المجتمع عرض الحائط، وهل الإدارة الناجحة تعني السماح بعودة مواطنين ووافدين قد يحملون الفيروس مما يمثل تهديدا للأمن القومي للبلد رغم كل التطمينات الحكومية وإجراءاتها المتزعزعة؟ ومما يثير الحنق سياسة التشهير والإساءة للكويت مع المبالغة في التحريض ممن هم في المطارات أو في أماكن العزل الصحي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبجرأة تثير الريبة وطبعا بعض الدول اتخذت من هذا المسار اسلوبا لها في التعامل مع الكويت.
الحقيقة تظل ساطعة مهما حاول أصحاب الصوت العالي إخفاءها ولأن المنطق يعلمنا أن لا ندع أعمى القلب ومحدود العقل يتولى القيادة، فلقد فتحت الأزمة عيوننا على مستوى الخلل الكبير في الحكومات السابقة والحالية وعلى اهتمامات النواب البعيدة عن مصالح البلد، فمن غير المعقول أن دولة تبعثر أموالها على العالم وعلى الحفلات الغنائية الوطنية لا توجد فيها مستشفيات مجهزة للحجر الصحي في المناطق الحدودية وفي داخل البلاد في حين أن مستشفى الأمراض السارية تكلفة تجديده تصل لأكثر من 53 مليون دينار ومنذ عام 2016 وحتى هذه اللحظة لم ينتهى بناؤه!
التشريعات الإدارية بحاجة لتعديلات كبيرة ومن قبل متخصصين فنيين وإداريين لتشجيع أبناء الوطن على التخصصات العلمية وبالذات الطب والصيدلة وتحفيزهم على استمرار العمل بالقطاعات الحكومية بدلا من التوجه للقطاع الخاص مع وضع سياسة مستقبلية لتحويل الكويت لعاصمة طبية عالمية في ظل عالم يموج بالأمراض والأوبئة.
الأحداث تثبت باستمرار أن الكويتي على قدر عال من المسؤولية والجدارة، وان سياسة التكويت تدور في فلك الضجيج الاعلامي فقط مع الفشل التام في التطبيق ولا أدل على ذلك من تزايد أعداد الوافدين في كل القطاعات الحكومية والخاصة وتوجيه التشريعات لمصالحهم.
الوطن لم يكن يوما مجرد قطعة أرض ولا أغاني نرددها في الأعياد، الوطن وجود وجذور وتاريخ وأصالة وحب لا ينافسه شيء، وما حدث أثبت أن هناك نسبة غير بسيطة ممن يحملون الجنسية بالتجنيس أو التزوير ولكنهم لا يحملون الولاء للوطن، وأن من عمل بقلب صادق محب ودافع عن اسم الكويت هم أبناؤها الحقيقيون من حضر وبدو وسنة وشيعة، هؤلاء يستحقون أن تحمي الحكومة وجودهم وحقوقهم وحقوق أبنائهم بإعادة فتح باب المحاسبة للمزورين والمتجنسين بلا ولاء، فالوطن لا يباع مهما حدث، والصوت العالي لا يرهب أبناء الوطن الحقيقيين.
[email protected]