كل الديانات السماوية أجمعت على الحفاظ على العقل والنأي به عن كل ما يلحق به الضرر، لأن العقل هو ميزان الإنسان وإذا اختل هذا الميزان أصبح الإنسان «لا عقلانيا» وارتكب جميع الأشياء دون رادع، ودون تفكير، لذلك كانت مسألة الحفاظ على سلامة العقل مسألة ذات أهمية قصوى.
ومعلوم أن أكثر الأشياء فتكا بالعقل هي المخدرات وخصوصا الخمور، فالخمور تتسبب في ذهاب العقل، وتجعل الإنسان بلا اتزان ويتصرف بلا وعي، مما يجعله قد يرتكب كل الجرائم بلمح البصر، مهما كبرت تلك الجرائم ومهما صغرت، فالمخمور لا يميز بين حلال وحرام، وبين كبيرة وصغيرة.
وأنا هنا لن أسرد كل الآيات والأحاديث الكثيرة التي حرمت الخمر تحريما قطعيا، لأنها معلومة للجميع ويعرفها كل الناس سواء قليل المعرفة منهم أو كبير المعرفة، وأيضا لن أنقل آراء الطب التي أجمعت على التحذير من الخمر طبيا، لأنها كذلك معلومة لدى الجميع، ولكن أريد مناقشة من يدعو إلى تقنين بيع الخمر وإباحته قانونيا، ويريد أن يجعل الأمر متاحا للجميع.
فمن هؤلاء - الحمقى فكريا - من يقول:
«اسمحوا بالخمور، وخلوا الناس تستانس، الناس ذبحها المغشوش، والبُطل وصل 100 دينار».
ومثل هذا الرأي «المنحط» الذي لا يستند إلى عقل ولا منطق ولا علم، هو رأي يريد الضياع للمجتمع، ومن يصدر مثل هذا الرأي بلا أدنى شك هو إنسان مملوك، نعم مملوك، ومملوك للشهوات، فهو يتبع كل ما تريد النفس دون أن يراجع الحلال والحرام والمنفعة والمضرة، لذلك علينا تجنب مثل هذه «الآراء الشهوانية» الساقطة منطقيا.
وهناك من يتحجج فيقول: «إن السماح ببيع الخمور يقلل من الجريمة»، وهذا الرأي لا يستند للمنطق بتاتا، فالناظر بتلك الدول التي تسمح بمداولة الخمور سيرى أن معدلات الجريمة كبيرة فيها، وأن مداولة الخمور قد مزقت المجتمع من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، حتى المجتمعات التي تقل بها الجريمة سترى أن طبيعة الجريمة بها شنيعة للغاية، فهي ذات جرائم قليلة ولكن تلك الجرائم قليلة لها طبيعة شنيعة وفادحة لا يتصورها العقل، وسببها آفة المخدرات - الخمور - المدمرة! إذن، هذا الرأي الذي يدعي أن السماح بالخمور يقلل الجريمة هو رأي غير منطقي وغير محترم كذلك، لأنه مجرد من كل دواعي المنطق!.
لذلك يا من تصيحون ليلا ونهارا وتدعون للسماح بمداولة الخمور، كفوا عن هذا، واخجلوا قليلا، فإن كنتم لا تخافون الله فخافوا من الضرر الذي قد يلحق بكم عندما تحولون المجتمع إلى مجتمع مخمور شيئا فشيئا، وإن كانت نفوسكم تهوى الرذيلة فمارسوا «رذائلكم» بينكم وبين أنفسكم، ولكم رب حسيب، غدا سيحاسبكم، فلا تبلوا الناس بشركم.
والشيء الغريب والعجيب فيكم أنكم تدعون للسماح بالخمور من أجل «شاربها» وخوفا عليه حتى لا يدفع الكثير من الأموال! وحتى لا يتضرر من «المغشوش»! وفي الوقت نفسه ولم تحملوا على عاتقكم هم الإنسان «المحترم» الذي حفظ نفسه عن الخمر وغيره من المحرمات فلم تفكروا بهذا «المحترم» بأنه قد يقع بهذا الخمر، في حالة تم السماح بمداولته!.
أتحرصون على «السكير» والعربيد أكثر من الصالح والمستقيم؟! فكم هو ظالم ميزانكم!.
وفي الحقيقة.. دائما أتساءل وأقول لنفسي، أليس من المنطق أن يحترم الإنسان الدين الذي ينتمي إليه وينتهي عند نواهيه ؟!
إن كان هذا هو المنطق، إذن فلماذا ينافح ويدافع مسلمون عن أشياء لا إسلامية، فعلا إنه زمن اللا منطق!. نسأل الله هداية العقول والقلوب والتثبيت على الحق.
***
(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (سورة المائدة: ٩٠).
hanialnbhan@
[email protected]