عندما يختل توازن الحياة، تتحول المجتمعات إلى حالة فوضوية كبرى، ويصبح كل شيء في غير نصابه الصحيح، وحينها يصعب على المجتمع أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام، وسيكون التعثر مصيره المحتوم، بل إنه سيتراجع ويتراجع إلى أن يهوى، ولن يعود إلى الأمام إلا بإصلاح توازنه من جديد.
أيها السادة، خلق الله هذا الكون الفسيح، وجعل فيه منازل ومقامات مختلفة، وحين تطغى تلك المقامات على بعضها يتشوه مشهد الحياة، فالشمس ستستمر بتزويد القمر بالنور، لا محالة، والقمر سيبقى متلقيا لذاك النور، لا محالة، هكذا هو مقام كل واحد منهما، فكل واحد منهما مقامه مهم حين يبقى في نطاقه المحدد ويقوم بواجبه دون تعد، والناظر في تفاصيل الحياة سوف يرى أن الحياة تمضي بتضافر جهود الجميع، فالكل مهم في هذه الحياة، ومهما كانت مكانته فهو مهم، وعلينا ألا ننظر لأي أحد بنظرة احتقار، فالكل له دور مقدر، والكل يشارك في استمرار عجلة الحياة.
وما يجعل القلق ينتاب القلوب، هو اختلال توازن الحياة، ومن صور اختلال التوازن، رؤية الشخص الذي له إمكانات متواضعة في موطن يحتاج إلى إمكانات متقدمة، فحين لا تتناسب القدرات الشخصية، والطباع الذاتية، مع المكانة المجتمعية التي تتطلب وجود شخص ذي خصال فريدة، فإن الخلل سيكون مصير المجتمع! فالذيل يجب ألا يعطى مهام الرأس، والرأس يجب ألا يعطى مهام الذيل، ويجب ألا يسمح لذاك (الجرف الإنساني) بالتمدد حتى لا تتصدع أرض المستقبل، والرأي هذا ليس من باب الاحتقار لأحد، بل هو من باب (إنزال الناس منازلهم)، فالإنسان لن يكون منتجا إنتاجا نافعا للمجتمع إلا إذا وضع في مكانه المناسب لقدراته، ولن يسلم المجتمع إلا بتحييد غير المناسبين، لذلك يجب أن نراعي كل ما سبق حتى نحافظ على توازن دائم، يأمن به الجميع.. والسلام.
*(وقفة شعرية):
وحول هذه المفاهيم السابقة، قلت هذه القصيدة الشعبية:
ناس كفى الله شرها ما بها طب
كل ما تعدل ميلها تستميلي
مهما تثبتها على خيرة الدرب
ترجع على درب الطمان الرذيلي
تهدي لها طيب ومعروف وحب
ترجي عسى فيها يبين الجميلي
لكنها تعود على طبعها غصب
وتصد عن درب الرفاع الفضيلي
أنا اشهد أن المر ما يستوي عذب
ومن يرتجي منه العذوبة هبيلي
وصعبة يصير الذيل في أول الركب
وصعبة يصير الرأس ذيل ذليلي
وان صار، ضاع الكون في لحظة وشب
وما عاد بالدنيا مقام، ومقيلي
hanialnbhan@