الصداقات كثيرة، ولكن ليست كل الصداقات صادقة، فالكثير من الصداقات ينتابها الإقبال والصدود، والنزول والصعود، والصدامات والتصدعات التي لا تنتهي!، أما الليل، وصداقة الليل، فإنها صداقة مختلفة تماما، فهي صداقة صادقة لا تعرف الكذب، ولا الصدود، والنكران، والغياب، والجحود، فالليل يأتي كل يوم، وبموعده المحدد، ولا يغيب عن موعده أبدا.. بل نحن قد نغيب عنه! فهو آت - بإذن الله.
فهو يأتي محملا بالسكون والهدوء والسكينة ليجاري الصديق بهمومه، ويشاركه أفكاره ويواسيه، ويحاول جاهدا أن يقدم له كل أسباب الهدوء، والراحة، والسكينة، والصمت، والإبحار في عالم آخر لا ضجيج به كأحداث «النهار»!
إنه صديق مخلص لصديقه.
ومخلص لهموم صديقه.
ومخلص لأوجاع صديقه.
ومخلص لدموع صديقه التي قد تنساب على أعتاب الهموم والأحزان المتواترة والمتدفقة في الأذهان بسبب قسوة الزمن، ووحوش الزمن الهمجية، التي لا تعرف معاني الرحمة والعطف!
فما أجمل هذه الصداقة الصادقة، في زمن ندر به الصديق الصدوق، وهي صداقة ستبقى من أجمل الصداقات حتى وإن كان سواد الليل الحالك هو المهيمن على جوها العام وعلى كل أطرافها!
فالسواد قد يكون مزعجا لدى البعض لأن به إشارة إلى الغموض وعدم الوضوح، والنفس تصبو وتتطلع لحالة الإشراق، وزهاء الإشراق وسناه الجميل! ولكن.. ولكن.. ولكن ما يجعل هذا السواد مقبولا بالنفوس، هو أنه سواد صادق لم يكذب، ولم يدعِ خلاف ما يبطن!. كالنهار «الأبيض» الذي يتستر بغطاء البياض وهو في الحقيقة يحوي قلوبا سوداء بين طياته!. فسواد الليل صادق وظاهره كباطنه!
وقد تكون من الأسباب الداعية للارتماء في أحضان الليل والتمسك بصداقته هي «أحداث الحياة»، فالحياة أحيانا تجبر الإنسان على ما لا يريد! وعلى ما لا يرغب، وكما قيل: «ما الذي دعاك للمر؟ فقال: الذي أمر منه» فمرارة ظلمة الليل جميلة، وحلوة المذاق، أمام مرارة النهار القاسية الكاذبة ! لذلك قد يجد القلب في بحر الليل شيئا من الوضوح أحيانا! وضوحا بالتعامل لا يعتريه التلون كحال النهار!
فها هو «الصبح» يأتي كل يوم، ولكن مع قدومه البهي، وخلال وجود شمسه البهية، يتم ارتكاب أغلب صور الأذى والإزعاج، فلحظاته «النهارية» هي مناسبة متكررة لمناورات الناس البشرية، تلك المناورات الموصوفة بالضجيج، والموصومة بالإزعاج والاختراق والتعدي، نعم النهار يأخذ صور «الوضوح» لكنه محمل بالأحداث الكاذبة والضارة!، بسبب ضجيج الحياة وتداخلها بصورة هائلة ومخيفة، وبسبب تسارع حركة الناس به، ذاك التسارع الذي يولد الكوارث تلو الكوارث!، أما الليل فهو رمز الهدوء والسكينة!، والناس به يعيشون شيئا من الانكفاء والاكتفاء، لذلك كان الليل خير صديق مخلص، لا ينافق!
أعان الله القلوب على الحياة وما بها من عقبات ونكبات وأحداث مؤسفة تقتل الفرح والبهجة والراحة والسكون!، والله خير معين.
[email protected]