مؤلم أن ترى من يتألم، ولا تستطيع أن تفعل أي شيء تجاهه، بسبب قدراتك المحدودة، ووضعك المحدود للغاية بسبب ظروف الزمن، ومؤلم أن ترى نفوسا تنكسر ولا تستطيع التدخل لإسعافها وتقويم مسارها، والعمل على تحقيق الأمان لها، بسبب هول الانكسار الذي يعتريها، فهو انكسار عميق وشديد ويخشى عليها منه، لأنه قد ينقلها ـ الانكسار ـ إلى حالة حرجة يصعب عليها أن تفيق من بعدها، حالة قد تحول بينها وبين القيام من جديد، والوقوف بقوام سليم واستقامة سليمة، فهو انكسار حاد وقاس!.
فكم هو مؤلم.. ومؤلم.. أن تصمت رغما عنك أمام هذا الانكسار الذي تراه في عيونك! وتشعر به في جوارحك، مؤلم أن تصمت، فأنت لا تملك الوسائل العاجلة لإنقاذ هذا الموقف المؤلم!.
مؤلم، ومؤلم، أن ترى رؤوسا تشيب، ويتحول سوادها الجميل كجمال السماء في ليلة قمرية! إلى بياض ساطع كسطوع السيف على الرقاب!، كان جميلا ذاك السواد، ويدل على الشباب والهمة العالية، وتغمره قناديل جميلة تضيء له الطريق !، وفجأة تحول إلى بياض كامل، بياض مخيف يخالطه ألم الزمن، ووكزات الأيام، ويبشر بتقلص الأيام وانقضاء العمر!، فكم هو مؤلم حال تلك الرؤوس التي (شابت) ومر عليها الزمان من دون أن تحقق أبسط ما تتمناه من طموحات ضاعت!، وأقل ما ترجوه وتطمح إليه من آمال فنت!.
وأنت تشاهد هذا المشهد من بعيد! تتألم.. وتتألم، ولا تستطيع التدخل لإنقاذ هذا الموقف القاسي عل قلبك!.
كم هو مؤلم أن ترى الطموحات تتهاوى مع تسارع الأيام ومرورها، تتهاوى دون أي تغير أو تحول، تتهاوى كما يتهاوى ذاك الطير المحلق بكبد السماء، فبعدما كان يحوم في ضواحي السماء الزرقاء الجميلة بكل نشاط وأمان، جاءه شيء داهم، شيء جعله يهوي ويهوي حتى يسقط، نعم سقط لأنه استقبل بين جناحيه مقذوفا مخيفا!، مقذوفا أتاه من مخلوق لا يعرف معاني السلام ولا معاني الرحمة!، فجعله يتحول إلى الأرض وهو مقيد، طريح جريح يصارع الموت!، ويغمره النواح، وهو مثخن بالدماء!
وأنت تشاهد هذا المنظر المؤلم ولا تستطيع عمل شيء!. فكم هو مؤلم!.
مؤلم أن ترى رؤوسا شابت، وطموحات ضاعت، وعيونا تدمع، وقلوبا تتوجع، بسبب طعنات الزمن التي لا ترحم، وجور الإنسان الوحشي الذي لا يعرف معاني العطف والرأفة، وأنت لا تستطيع القيام بأي إجراء يظمن السلامة لتلك العيون الدامعة وتلك القلوب المتوجعة.. فكم هو مؤلم؟!.
ومؤلم.. ومؤلم.. ومؤلم..
أن ترى.. وأن ترى.. وأن ترى..
مؤلم.. أن تقف مكتوف الأيدي رغما عنك!.
ولكن مع هذا الألم هناك دلالات للخير، فهذا الألم الذي يعتصر القلب عند رؤية كل هذه المشاهد يدل دلالة قاطعة على مدى صلاح ذاك القلب ومدى حبه للخير، فالألم للآخرين والشعور بهم دليل على قلب يحمل الكثير من الخير، لأنه قلب يحب أن يرى الجميع على ما يرام.
فالحمد لله دائما، ونحن لا حول لنا ولا قوة لتغيير كل مشهد غير مقبول، وقد يكون فينا ما يكفينا، وقد نكون متضررين مثل ضرر من نتألم من أجله!، ولكن الأمل بالله، والحول والقوة بالله وحده، فهو خير معين لكل نفس تحمل الآلام، والأحزان، والجروح الغائرة، فالله سبحانه يرى ويعلم، وهو أرحم وأكرم.
[email protected]