ونحن نعيش في زمن طغى فيه منسوب الأنانية بشكل لافت أشعر بأنه من الواجب علينا أن نغوص في زمن الأوائل.. ذاك الزمن الجميل والمبارك بأهله الطيبين.. ذاك الزمن الذي يكاد يخلو من كل طباع الأنانية.. فسوف نغوص به ونستحضر بعض مواقفه النبيلة والنادرة.. والتي قد لا يصدقها البعض في هذا الزمن بسبب تفاصيلها العظيمة واللافتة..
لذلك أحببت أن أتوقف معكم مع موقف كبير وجميل يحمل في طياته معاني سامية كثيرة، وأبرزها (الشهامة) وخلو القلب من الأنانية.. وذاك الموقف هو لرجل من أهل الكويت الأوائل، وهو العم شملان عبدالعزيز الحساوي، رحمه الله.. وسأروي لكم هذا الموقف وسأقف عند تفاصيله الدقيقة لكي يتضح لنا جميعا صلابة رجال (أول) ومعدنهم النفيس المفعم بالتضحية والشهامة والوفاء والكرم اللامحدود.
كان للراحل شملان الحساوي - طيب الله ثراه - أرض في منطقة حولي قام ببيعها بمبلغ (٣٠٠٠.٠٠٠ روبية) وكانت الروبية آنذاك هي العملة الرسمية للكويت كما هو معلوم، وفي اليوم الذي يريد أن يذهب به الراحل إلى دائرة العدل - وزارة العدل حاليا - لتسلم المبلغ جمع أسرته، وقال لهم: «تامرون بشي؟ في أحد بخاطره شي أجيبه له؟» فهو يريد أن يلبي رغباتهم ويشتري لهم ما يتمنون بعدما يستلم المبلغ من دائرة العدل..
فيروي لي ابنه البكر السيد ياسين الحساوي الذي كان يبلغ عمره آنذاك ١٢ سنة تقريبا الطلبات التي طلبوها فيقول:
الوالدة طلبت «مضاعد» وأنا طلبت «سيكل»، وشقيقي طلب «قاري» وشقيقتي طلبت «فستان وحذاء»، والأخرى طلبت «لعبة عروسة».. ثم ذهب الوالد لدائرة العدل لتوقيع البيع وتسلم المبلغ.. وانتظرناه أمام المنزل حتى الثالثة عصرا! ونحن نقاوم حرارة الشمس الحارقة.. وأحلامنا تراودنا وقلوبنا متشوقة لقدوم الوالد.. ولكنه رحمه الله عاد خالي الوفاض..!
فكان الاستغراب يتسيد المشهد.. وكان رحمه لا يريد البوح بما حدث.. ولكن بعد إلحاح شديد منا..
أخبرنا بأنه وجد صديقا له في «دائرة العدل».. وكان ذاك الصديق قد صدر عليه حكم بالحبس إن لم يقم بدفع ما عليه من ديون «كبيرة».. فقام ودون أي تردد بمساعدته، وبدفع كل ما لديه من أموال حتى يحظى صديقه بالسلامة من الحكم الصادر، ويعود لأولاده فورا! فموعد العيد سيحل بعد يومين.. آنذاك!
اخوتي الكرام.. بعدما سمعت هذا الموقف العظيم عن الراحل «الكريم» شملان الحساوي قررت ودون أي تردد أن أبرز هذا الموقف لكم.. فمثل هذه المواقف يجب أن تذكر، ومثل هؤلاء الرجال يجب أن يكرموا وأن يبرز فعلهم المجتمعي المشرف والنادر، لكي يستفيد جيلنا الحالي الذي عصفت به أخلاق لا مكان لها في مواضع الإيثار والتضحية والوفاء!.
رحم الله العم الكريم شملان بن عبدالعزيز بن صالح الدحيلان الحساوي الذي توفي عام ١٩٨٢ وترك خلفه سيرة عطرة لا تموت وبإذن الله مستمرة بأبنائه الكرام، وهذا الفعل النبيل لا يستغرب من هذه العائلة الكريمة التي سطرت أروع معاني الوفاء والحب لهذا الوطن ولأبناء هذا الوطن.. على مستوى الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيرها من المجالات..
لذلك هي دعوة مني لكم بالتأسي بأخلاق هؤلاء الكرام..الذين نسجوا وكونوا أخلاقهم من مبادئ ديننا الحنيف الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق بكل صورها، ويبقى الخير بإذن الله متصل في زمننا هذا إلى الأبد.. فالخير باق ما بقية الحياة.. ودمتم.
HaniAlnbhan@