لا يخفى على أحد منا مكانة الأم، تلك الإنسانة العظيمة التي حملت وربت وتعبت، التي تسهر على راحة أبنائها، تلك الروح التي تشعر بك حتى وأنت بعيد عنها، إنها الأم التي تستحق الجنان كلها دون شك، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل كل أم تستحق تلك الجنة؟ هل لقب أم هو بمنزلة صك غفران لكل من أنجبت مهما كان سير سلوكها، هل الأم لكونها أما فقط، لها الحق أن تتصرف بالطريقة التي تحلو لها حتى لو كان تصرفها يؤدي إلى تشوهات نفسية، بقسوتها وتسلطها، ربما يكون عقوق الأمهات والآباء لأبنائهم أشد فتكا وضررا من عقوق الأبناء لآبائهم، فالضرر الذي يخلفه تربية جيل غير سوي ربما يمتد لأكثر من جيل.
في زمن مضى كانت هناك أساليب تربوية سائدة كالضرب والتعنيف بشكل قاس، ولشيوع هذا الأسلوب وانتشاره وعدم معرفة الآباء حينها بأساليب غيرها قد نعذرهم ونلتمس لهم دوافعهم النبيلة حيث كان القصد من هذا الأسلوب التربية والخوف على مستقبل أبنائهم بلاشك.
ولكن هل عاد هذا العذر مقبولا في زمننا، حيث أصبحت المعلومات قريبة جدا منا، فهواتفنا الذكية أمست لا تفارق أيدينا، ناهيك عن وفرة الاختصاصيين والاستشاريين في هذا المجال إن كنا بحاجة لمساعدة.
إن الحرص على التربية بأسلوب متوازن قد يكون الوصفة السحرية للتعامل الجيد، أسلوب يفرق بين الحزم والقسوة، بين الانضباط والسيطرة، بين الحنان والدلال المفسد، بين العيش بواقعية بعيدا عن المثاليات وبين تدمير نفسية الأبناء بالخلافات والمشاكل.
والمسؤولية طبعا ليست مقصورة على الأم، فالأب مسؤول أيضا، ولكن كون الأم هي من تحتك بأبنائها بشكل أكبر خاصة في سنواتهم الأولى، سنسلط الحديث عنها.
لتعلمي أيتها الأم، أن الجنة ليست تحت قدميك، إن كنت ما زلت تكابرين في استخدام وسائل كفيلة بخلق جيل سهل جدا أن يسيطر عليه، ويسير بقسوتك اللامبررة مع علمك بفداحة الأسلوب الذي تتبعينه.
عذرا أنت لست ست الحبايب إن كان أقصى ما يتذكره منك أبناؤك شتم وسب وألفاظ نابية تخرج لنا جيلا لا يعرف كيف يتحاور في قاعات برلمانه.
عذرا إن كنت تعتقدين أن لقب أم هو بمنزلة صك غفران يخولك لفعل أي تصرف بحق أبنائك وإن كان في ذلك هلاكهم.
٭ ختاما: سؤال لكل أم: هل هذي المكانة العظيمة التي وهبت لك محض تشريف أم تكليف قبل أي شيء؟!