وأنا على خشبة المسرح يوم حفل التفوق حين كنت في أولى مراحلي الثانوية وقد ارتدى الكل ثوب فرح.. الابتسامات والتهاليل تتراقص حول الحضور، الأناشيد تصدح ولكنها كانت صوتا مدويا بالنسبة لي، الأضواء بألوانها وقوتها تخترق الصالة من أولها إلى آخرها تكاد تسبق كل شيء حتى خيل إلي أنها فاقت سرعة دقات قلبي الذي لم يكف عن إرسال نبضاته المتلاحقة خوفا وهلعا وربما وحشة.. هذا الحفل الأول الذي أكرم فيه وأنا حاصلة على المركز الأول ربما هذا ما أثار الرهبة، وهو أيضا الحفل الأول الذي قطع فيه حبل أفكاري صوت المعلمة وكأنها أفلتتني من قبضة سلسلة كادت تخنقني وهي تنادي بـ «الميكرفون» باسمي «هبة أنور يوسف اللهو» يكاد الصوت يتردد صداه في قلبي يعلن عن ضياع.
تقدمت نحو منتصف الخشبة أرفع كل قدم وأضعها وكأنها حملت سلاسل تزن عشرات الكيلوغرامات، تزيد ثقلها دقات قلبي الذي لم يلبث يرسل نبضاته المتصارعة تطلب سلاما وهدوءا.
إلى أن وصلت.. وإذا بي أفاجأ بأن الصف الثاني من الحضور يقف مصفقا بحرارة، بينهم وجوه مألوفة جداتي، عماتي، خالتي وزوجات أعمامي، لم يحصل أن حضر كل هذا الحشد سابقا، اختلطت علي المشاعر بين فرح برؤيتهن وشعور تيه حملني على تفقد وجها اعتدت أن أراه في مثل هذه المناسبات.
آه لو أنك لم تغيبي عنا بهذه السرعة، إنها المرة الأولى التي تملأني رغبة بمعاتبتك يا أمي، كان حضورك يغني عن كل تلك الوجوه، ما الذي دهاك ما الذي غيرك وجعلك تذهبين بعيدا عن حياتنا هكذا بكل سهولة دون أن تتركي لنا رسالة وداع أو حتى وصية.
في خضم دوامة العتب تلك أتاني طيفها المبتسم يمسح على وجهي ويبارك لي «إنه الموت يا حبيبتي.. وقدر قد كتب.. أخذني بعيدا عنكم».
كن الشخص الذي لا يغيب ما دمت حيا..
أطال الله بقاءك..