إنها تأشيرة من طراز خاص لدخول جمعات الأهل والأصدقاء وأصحاب العمل، وهي متطلب جديد في السنوات الأخيرة للنساء بشكل خاص، وربما أصبح الرجال يسبقونهن إلى ذلك، تجد المرء عند ذهابه لأحد اللقاءات يستقبله الداعون مرسلين نظراتهم إليه كماسح ضوئي لمعرفة نوع الماركات التي يرتديها وقيمتها، وعلى هذا الأساس يتم القبول والترحيب والتقدير الذي يصل إلى المدعو عن طريق إشارات وإيماءات تحمل في طياتها الإعجاب والاحترام أو عدم المبالاة والازدراء، إن لم يكن من وجهة نظرهم «قد المقام» على حد قول اخواننا المصريين..
ترى المرأة المتتبعة لآخر صيحات الموضة متبخترة وكأنها ملكت العالم، العامل الوحيد لتلك الثقة ما ترتديه وتقتنيه، فتدخل بتأشيرة دخول من الدرجة الأولى حسب التقييم الشكلي لها، ولو صادفتها من غير تلك البهرجة يخيل إليك أنها انسانة أخرى تفقد القدرة على الحوار أو التعامل بأخلاق وأدب لأن قطعها الثمينة تنقصها...
تجد شابا قبل خروجه يتفقد حقيبته التي تقدر بمئات الدنانير ليضع بها محفظة خالية من النقود التي يحتاجها لتعبئة سيارته بالوقود..
المشكلة لا تكمن في الماركة أبدا، بالعكس أرى في الكثير منها الجودة والإتقان والذوق الراقي الذي تحبه النفس، كما أنه من الجميل أن يستمتع الإنسان بما يملك كل حسب استطاعته وهواه، لكن المصاب في عقول البعض، العقول التي تضع معايير الاحترام بناء على قوة الاسم التجاري الذي يعلو لبس الشخص أو حقيبته..
البلاء تجده في مسؤول يقرب موظفة منه ولا يتردد في إعطائها الامتيازات والعلاوات لا لكفاءتها بل لكونه معجب بالقطع الباهظة الثمن التي تتفنن في عرضها كل يوم فتغار منها زميلتها المتفانية في عملها فتتحسر لأنها فهمت العمل بطريقة خاطئة ولم تسلك طريق زميلتها المزركشة..
المؤسف حقا ألا يجد مرتدي حذاء «الماركة» مالا كافيا لمصروف جيبه بعد أسبوعين من تسلّم راتبه، لأن كمالياته أنسته أولوياته..
أما الطامة الكبرى فتجدها في ذلك البيت الذي يسمع فيه الأبناء صراخ أمهم وهي تعاتب والدهم لأنه لم يوفر لها مبلغ الحقيبة التي من المفروض أن يتم الاستعراض بها في حفل استقبال دعيت إليه..
وغيرها الكثير من تلك القصص الدافع وراء أبطالها الظهور بزي المترفين المنعمين وإن كان مظهرهم لا يمت لواقعهم بأي صلة، هل السبب هو المجتمع الذي فرض عليهم تلك المظاهر كتأشيرة دخول لأي زيارة، أم الملام في ذلك عقول البعض التي هجرها أصحابها حتى بارت.
كم أحن لليالي أمهاتنا وجداتنا التي تضاء بشموع البساطة والصفاء والصدق، كل ما يملكنه قلب محب ونفس طيبة مبتغاهم الوحيد فيها الوصل والقيام بالواجب، تجد الواحدة منهن تدخل دار جارتها بوجه مبتسم راض، يفترش يدها طبق أعدته بحب رغم مسؤولياتها الكثيرة.
أما عن رجال ذلك الزمان فكان آخر ما يشغل عقولهم اقتناء كماليات لا تقدم ولا تؤخر من قيمتهم كرجال.. الشهامة، الكرامة، المروءة ومواقفهم المشرفة هو ما يكشف أصالة معدنهم.
إن كان ما ينقص عصر أمهاتنا وأجدادنا وفرة المادة التي تعتبر سببا رئيسيا لما يحدث في وقتنا من بذخ ومظاهر خداعة، فإن ما نفقده بساطة العيش والقلوب المطمئنة الراضية التي تصل الرحم بحب وتلبي الدعوة بصدق.
اعلم عزيزي القارئ، أنه مهما طغت المادة واستشرت، فلا يوجد على وجه الأرض ماهو أكثر قيمة منك بقلبك الراقي وعقلك الناضج..