إن الشعوب والدول الحديثة النشأة تبحث عن تاريخ وتحاول أن تصنع منه شيئا لتنافس الشعوب والدول ذات التاريخ العريق، ومن الخطأ أن يظن البعض أن الكويت تعني النفط أو رغد العيش أو المباني الحديثة والتكييف والمجمعات، لأن دولتنا الحبيبة الكويت ليست كذلك على الإطلاق.
ولكن، عدم اهتمامنا بالتاريخ وانصرافنا إلى الحديث في الحياة والسلوكيات يجب ألا يكون على حساب التاريخ المشرف والذي يجب تنشيط الذاكرة بشأنه باستمرار لتعرف الأجيال كفاح من سبقونا ولنتسابق جميعا في الامتنان والوفاء والعرفان لهم حيث إن إحياء وتنشيط التاريخ وذاكرة الوطن يحتاج إلى جهود ليست سهلة ويحتاج إلى روايات وتوثيق من شهود عيان أطال الله في أعمارهم.
وعلى سبيل المثال، ماذا عن تاريخ البلدية في الكويت؟ وكيف نشأت؟ وماذا كانت اختصاصاتها وإمكانياتها؟ وماذا عن تاريخ الخدمات الصحية والمستشفى الأميركي؟ وماذا عن تاريخ الإطفاء وتاريخ التعليم بمراحله المختلفة؟
اعتقد أن توثيق التاريخ بموضوعية وإنصاف لا يقل أهمية عن بناء المستقبل، ويجب أن تبدأ كل وزارات ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني وجمعيات النفع العام في توثيق التاريخ بمداد العرفان والامتنان للرعيل الأول، فهذا هو الأساس الذي يبنى عليه مستقبل كويت جديدة ترتكز على أساس قوي وعريق ولعل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب يتبنى هذه المبادرة حتى لا تعتقد الأجيال الجديدة أن الكويت هي النفط والمجمعات والوجبات السريعة والسيارات الفارهة، بل ان تاريخ الكويت كان حافلا بإنجازات وقصص كفاح مشرفة للجميع سطرها الرعيل الأول فلهم كل الامتنان والعرفان ولن ننساهم، وعلى سبيل المثال هناك كثيرون لا يعرفون أن بلدية الكويت أنشئت عام 1930 في عهد الشيخ أحمد الجابر وكان لها شخصية مستقلة ولها نظمها وقوانينها الخاصة واختصاصات متعددة منذ إنشائها.
أما تاريخ الخدمات الصحية فهو بالقطع لا يبدأ مع تاريخ إنشاء مستشفى الصباح عام 1962، ولكنه كان منذ بداية إنشاء بلدية الكويت، وكذلك تاريخ الأمن العام أو الشرطة في الكويت فقد بدأ منذ عام 1938.
أما بالنسبة للإطفاء فقد كانت البداية منذ عام 1947 وتطورت تلك الإدارة تبعا للتطور العمراني والصناعي والاجتماعي.
فلذلك يجب توثيق كل هذه الخدمات لتعلم الأجيال القادمة ما قام به الرعيل الأول من جهود لتصل إلى ما وصلت إليه الآن وتكون عبرة لهم بأن الكفاح والمثابرة والتميز هي الطريق الوحيد للنجاح ولصناعة التاريخ المشرف لأي دولة.