فجأة وبدون سابق إنذار أصبح العالم كله يتحدث عن إعادة ترتيب أولوياته وتم وضع قضايا اللاجئين وأبنائهم وكيفية إنقاذهم وإيوائهم على قمة أولوياته بعد أن كانت محاولاتهم الهرب من الجحيم القادم وتحولهم إلى أشلاء بشرية إذ ترى المتزاحمين في مطار كابول والمناطق القريبة منه بدون تطبيق أي اشتراطات صحية وبدون لبس كمامات أو تباعد جسدي، ولكن في الوقت نفسه تعلن الدول ذات الإمكانات العالية عن خططها لإعطاء جرعة ثالثة للتطعيم ضد كورونا لمواطنيها النبلاء وهذا يعني أن هناك بؤرا جديدة من الجائحة ستزداد مع تداعيات العنف والنزوح والانسحاب غير المنظم وحركة الكتل البشرية من اللاجئين والنازحين.
ويجب ألا يغيب عن الجميع ارتباط الأوبئة والجوائح والأمراض مع حركة الموجات البشرية من مناطق النزاعات إذ يجب ألا ننسى أن حملات التخلص من شلل الأطفال قد حققت أهدافها منذ فترة في جميع الدول ما عدا أفغانستان وباكستان مع تردد أخبار عن اعتداءات على فرق التطعيم لشلل الأطفال فيها.
إن ما يحدث الآن في العالم يدعو لتحديد الأولويات المستجدة حيث إنها قلبت الحسابات رأسا على عقب وستكون لها تداعياتها الدولية والإقليمية التي ستؤثر على مجريات الأحداث والسياسات لسنوات قادمة وقد تؤدي إلى بناء تحالفات جديدة وتصدع تحالفات تقليدية وسقوط شعارات سابقة والتغني والترويج لشعارات جديدة ليس من بينها ما يصون ويدعم الحق في الحياة لأشلاء من تعلقوا بإطارات طائرة الإخلاء الأميركية العملاقة عند مغادرتها مطار كابول ولم تمنعها هذه الأشلاء عن الانطلاق وواصلت رحلتها إلى عالم تبدلت فيه أولوياته ومازال يبحث عن خطط للتعايش مع الأولويات الجديدة التي لا تحمل أي أمل بالخير لآلاف العالقين الذين يتهرب العالم من استضافتهم ولو بصورة مؤقتة.
إن مواقف الدول لا تستجيب للعواطف ولكن تحكمها المصالح التي تؤدي إلى تغير الأولويات وتوقف الحديث عن حقوق الإنسان أو تجميده لفترة من الزمن.
ويكفي أن تعليق العالم على المشهد البشع للأشلاء البشرية العالقة بعجلات الطائرة المغادرة من مطار كابول تفتر حدته يوما بعد يوم وكأن الأشلاء لم تكن بشرية ولا تستحق الالتفات إليها ممن تبدلت أولوياتهم وبلحظة سريعة.