سؤال مشروع ومنطقي إزاء مؤتمر بغداد الذي حمل العديد من المعاني والتساؤلات، فهل هو منتدى أم تجمّع أم ملء فراغ في المنطقة وما حولها وقد تزامن مع تراجع الدور الأميركي في آسيا الوسطى ومؤشرات لميلاد تحالفات جديدة بالمنطقة لتخلف تحالفات عريقة وعميقة ومن ثمّ فإن مؤتمر بغداد يجب وضعه في إطاره الصحيح دون تهوين أو تهويل.
إن عودة الدور العراقي لا يعني عودة الدولة العباسية ولا يعود التاريخ إلى الخلف، كما أن الأوضاع العالمية لا تسمح لظهور إمبراطوريات جديدة إذ إن مؤتمر بغداد ليس مؤشرا لميلاد كيانات ومنظمات إقليمية بديلة عن تلك القائمة مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
ومهما كان حجم وحماس الدول المشاركة في مؤتمر بغداد والوفود رفيعة المستوى والكلمات الرصينة التي اهتزت لها قاعات المؤتمر فإن نتائج المؤتمر القريبة والبعيدة سترسم الكثير من ملامح الصورة وتحدد الكيان الذي سيتمخض عنه مؤتمر بغداد، وهل هو كيان اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو تنموي أو جميع ما سبق؟
ولعل ما شهدته بغداد يفتح المجال أمام حوارات متعددة للنخبة والمتخصصين لتحليل الوضع الحالي ورسم خارطة الطريق للمستقبل بالتفكير خارج الصندوق وداخله.
وبالطبع فإن الحوارات الحرة لا يمكن تطبيقها إلا في أجواء تعزيز حقوق الإنسان دون تمييز أو تفرقة حيث إن ما شهدته بغداد يمكن أن يكون انطلاقة غير مسبوقة في علاقات شعوب ودول المنطقة التي يجمعها أكثر مما يفرقها وكفى ما دفعته وتحملته بسبب الإرهاب والقمع والصراعات واستخدام المنطقة كقواعد عسكرية لتصفية حسابات قديمة لا ناقة ولا جمل لشعوب المنطقة بها.
ولو كان ما صرف على الحروب والصراعات بالمنطقة قد استثمر في التعليم والصحة والتنمية لكانت قمة بغداد لا تقل عن المنتدى الاقتصادي العالمي حيث إن المنطقة تزخر بالإمكانات التي تؤهلها لتحقيق المعجزات بعد رص الصفوف بعناية والاستثمار في الطريق الصحيح.