إن موضوع الأخطاء الطبية أو الأخطاء ذات العلاقة بالرعاية الصحية هو موضوع متعدد المحاور والاهتمامات ما بين محور فني وإداري وتنظيمي واجتماعي وقانوني، وعند طرح أي من هذه المحاور فإنه في النهاية يمس أداء النظام الصحي ككل، حيث إن معظم الأخطاء تتعلق بما يعرف بالأداء المؤسسي أو المرفقي وليس أخطاء شخصية من مقدم الرعاية الصحية، سواء كان طبيبا أو ممرضا أو صيدلانيا أو فنيا وفي حالة الأخطاء المرفقية أو أخطاء نظم العمل فإن المسؤولية لا يتحملها مقدم الرعاية الصحية.
وملف الأخطاء الطبية من الناحية السياسية والرقابية هو ملف مثير لنواب الأمة ويفتح شهيتهم لاستخدام الأدوات الرقابية السياسية، أما عن الشفافية في تسجيل ومناقشة والتعلم من الحوادث داخل مرافق الرعاية الصحية ومن ثم التعرف على وحصر الأخطاء الطبية وتصنيفها فهو تحد كبير أمام الأنظمة الصحية على مستوى العالم، نظرا لأن الخدمات الصحية شديدة التعقيد وهي منظومة تضم مقدمي الرعاية الصحية، بالإضافة إلى الأجهزة والمعدات والتقنيات الحديثة والتي تتطلب جهدا كبيرا في الاختيار والترخيص والتدريب على استخدامها، وهي مراحل معقدة قد لا تدخل بصورة مباشرة ضمن تقديم الخدمة.
وعموما، فإن التصدي لتحدي الأخطاء الطبية مهمة معقدة ولا تنتهي وهو جهد علمي وأخلاقي ومهني قد لا يستطيع التصدي له سوى أصحاب الخبرة والمتخصصون حتى لا يحدث الخلط الشائع بين المضاعفات والأخطاء الطبية وحتى لا يستخدم الطب الدفاعي لتجنب احتمالات الأخطاء الطبية من خلال الخوف من اتخاذ القرارات الطبية في الوقت المناسب للحماية من عواقب الأخطاء الطبية أو من خلال استخدام حيل وأساليب لتفادي التعامل مع الحالات الدقيقة، وعندئذ سيكون المتضرر هو المريض وسيكون النظام الصحي غير قادر على تقديم الرعاية المطلوبة في وقتها المناسب خوفا من شبح الأخطاء الطبية.
وإني أرى أن هذا الملف يتطلب الاهتمام الكافي وأن يتم وضعه على قمة أولويات البرامج الصحية مع التشخيص الدقيق للتحدي ووضع أهداف وغايات الوصول لرعاية طبية عالية الجودة والمتابعة من خلال جهات محايدة ومتخصصة باستخدام ما يعرف بمؤشرات الجودة وسلامة المرضى مع سرعة تنفيذ القانون رقم 70 لسنة 2020 وما ورد به من أحكام تتعلق بالمسؤولية الطبية وحقوق المرضى في السلامة والوقاية من الممارسات التي قد تؤدي إلى حدوث أخطاء طبية مؤسسية أو شخصية، واعتقد أن مجابهة هذا التحدي تدخل ضمن مسؤوليات الجمعية الطبية وجمعيات النفع العام ذات العلاقة بالصحة وحقوق الإنسان، وأتمنى أن تخطو بخطوات ملموسة في هذا الملف الشائك بمحاوره المختلفة.
وهناك دراسة شهيرة من الولايات المتحدة الأميركية تشير نتائجها إلى أن الوفيات بسبب الأخطاء الطبية تمثل المرتبة الثالثة بين أسباب الوفيات وأنها قد تصل إلى 250000 سنويا حسب تقديرات تلك الدراسة التي تستحق الاهتمام.