عندما نتحدث عن أي نظام صحي فهو بلا شك ليس الحديث عن الأفراد، بل عن مؤسسة متكاملة، ولكن عندما نتحدث عن النظام الصحي بالكويت فإننا نذكر بالامتنان والعرفان والتقدير الرواد الأوائل الذين عملوا بتفان وإخلاص لتحويل التزام الدولة بالدستور بالرعاية الصحية إلى واقع عملي يلمسه كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة.
ومن مقومات ذلك قوانين وأنظمة سبقت بها الكويت دول العالم وكانت نموذجا اتخذت به الأنظمة الصحية في أوقات لاحقة، إذ كانت الكويت مركزا للإشعاع الصحي والتنموي والذي ثبت في عقول من تعرفوا عن قرب عن مثل تلك الإنجازات بإمكانيات غير مبالغ بها سواء من الميزانيات أو من القوى العاملة أو من غيرها.
ومع كل تغيير وزاري أو تعديل ترتفع أصوات منادية بدماء جديدة وهذه الشعارات مشروعة للجميع، ولكن الدماء الجديدة يجب عليها أن تبحث جيدا في الإرث الثري للنظام الصحي الذي بناه الأوائل وعززوا قدراته وهو إرث في التشريعات والنظم والسلوكيات وروح العمل، وكل ذلك قد أثمر بنية أساسية قوية قادرة على القيام بمسؤولياتها وواجباتها لو توافرت عوامل النجاح والإبداع.
إن الإرث الثري يمثل ما هو أكثر من تاريخ وخبرات تراكمية قد لا تتوافر لدى أنظمة أخرى لإنتاج فرص الاستفادة من دروسها، وقد قرأت وسمعت عن الكثير من إنجازات الرواد الأوائل في مختلف المجالات، ويجب عدم العبث بتلك الإنجازات أو إهمالها تحت شعارات الدماء الجديدة أو أي شعارات أخرى، فمسؤولية الدولة عن الخدمات الصحية والصحة ككل يجب ألا تكون مجالا للمزايدات على مكتسبات محققة ومبادرات ناجحة أثبتت قدرتها على التصدي للتحديات والأزمات.
وعندما تنطلق شعارات الدماء الجديدة يجب ألا تكون لهدم وتدمير الإرث الثري الذي بناه الأوائل بعقولهم وجهودهم ومبادراتهم، وقد لا تتاح للدماء الشابة أن يعرفوا قيمة الإرث الثمين، خاصة أنهم لم يتعبوا في بناء أحجاره ودعائمه، وانظروا إلى النظام الصحي البريطاني وإلى المستشفيات البريطانية المرموقة التي يشهد لها الجميع بقدرتها على التصدي لكل التحديات، فهي خير مثال على الحفاظ على الإرث المتوافر لديهم على مدى السنوات.
