العلاقة بين الطب والفن ليست جديدة، فعندما نتحدث عن الفن ودوره في تعزيز الصحة النفسية وتسريع تنفيذ البرامج الصحية، فإن هناك العديد من الأمثلة سواء كانت موسيقى أو رسما أو تلوينا أو نحتا حيث إن بعض الأطباء برعوا في الفن أكثر من الفنانين المحترفين، وأعتقد أن العلاقة بين الطب والفن لم تأخذ حقها من البحث، ولكن المتخصصين من الأطباء والفنانين عليهم مسؤوليات لتوثيق تلك العلاقة المهمة لكلا الطرفين من خلال اكتشاف المواهب ورعايتها وتشجيعها وإقامة المبادرات الداعمة لها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل عزف الموسيقى يمكن أن يحل محل وصفة طبية أو دواء محدد أو أنه يقلل الاعتماد على العلاج بالأدوية وما يترتب عليه من محاذير تتعلق بالتأثيرات الجانبية للأدوية والتعارض بين بعض الأدوية أو ارتفاع أسعارها؟ وهل ممكن أن يحل الفنان محل الطبيب أو الصيدلي ضمن المنظومة الصحية؟ وأين موقع الفن ضمن برامج التعليم الطبي وفي مناهج كليات الطب وحتى في بروتوكولات الطب التقليدي أو ما يحلو للبعض تسميته بالطب البديل؟ وهل يتقبل المريض أن يرى أمامه طبيبا يمسك آلة موسيقية أو فرشاة رسم أو أن يرحب بالمريض من خلال قصيدة شعر بليغة؟ وهل يتسع قانون تنظيم مهنة الطب إلى إضافة العلاج بالفن ضمن طرق وأساليب العلاج المعتمدة والمرخص بها؟ دعونا نترقب وننتظر ماذا تحمل الأيام المقبلة من جديد في هذه العلاقة والاستفادة من الفرص المتاحة بتعزيزها والتحليق في آفاق رحبة وواعدة.
والسؤال المطروح الآن: هل المقاييس الحالية لجودة الحياة والصحة النفسية تصلح لتقديم الدليل المؤيد لأهمية الفن كبعد رئيسي ضمن أبعاد الهدف الثالث المتعلق بالصحة ضمن الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة؟ وهل تشهد أيامنا القادمة وجود عصا المايسترو أو ريشة فنان جنبا إلى جنب مع السماعة الطبية أو جهاز قياس ضغط الدم أو رسام القلب الكهربائي أو في بعض أماكن الممارسات الطبية مثل غرف الولادة وجلسات العلاج النفسي وعلاج كبار السن وتحسين القدرات الإدراكية؟
ومتى سنجد جيلا جديدا من الأطباء الذين لا ينصحون بجرعات إضافية من الطعوم لمن ثبت علاجهم بالفن المعزز لجهاز المناعة سواء كان الفن رسما أو موسيقى أو رقصا؟ ولنتذكر سيدة أميركا الأولى السابقة ميشال أوباما ومبادرتها للتخلص من السمنة بين أطفال المدارس والمعروفة بمبادرة «دعنا نرقص»، وهي مثال لتوظيف الفن في البرامج الصحية الوقائية.
وما زال هناك الكثير من الفرص والأفكار والابتكارات لتعزيز العلاقة بين الطب والفن من خلال مراعاة الفن كبعد مهم ضمن الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة المعتمدة من قادة ورؤساء دول العالم في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة منذ سبتمبر 2015 والتي ترسم خارطة الطريق حتى عام 2030.