تناولت المواقع في الأيام الماضية جملة «سقوط جسر لندن»، وهي كلمة السر التي عبرت عن وفاة الملكة إليزابيث الثانية بعد نحو 70 سنة من توليها حكم بريطانيا، وبالفعل بعد هذه المدة وما حدث فيها من تغيرات كانت وفاتها أقرب إلى سقوط «جسر لندن»، لولا أن الترتيبات الموضوعة بدقة منذ فترة سواء على مستوى الدولة أو القصر أو العائلة قد أدت إلى تناسق في الإجراءات وعدم الخلط بين المشاعر العاطفية والواجبات الرسمية المستحقة، بالإضافة إلى أن مرسوم إعلان الوفاة الذي يعلق على باب القصر لم يكن ببعيد عن خطة سقوط جسر لندن، وهكذا فإن نظم الحكم العريقة لا تترك الأمور للصدفة أو للاجتهادات، وستبدأ الآن مرحلة جديدة في بريطانيا بعد انتهاء مراسم الحداد ودفن الملكة.
وهذه هي مرحلة «إصلاح جسر لندن» بعد تجاوز التعامل مع سقوطه، حيث إن أخبار بريطانيا ستكون متداولة في جميع دول العالم لرؤية كيف سينجح أصحاب الملكية التاريخية والديموقراطية من إصلاح الجسر من جديد لإبهار العالم وتقديم الدرس المستفاد في تجاوز المحن مهما كانت قاسية نفسياً وعاطفياً.
إن للشعوب مشاعر قد تفيض في العديد من المواقف المتعلقة بعلاقة الحاكم بالشعب في جميع نظم الحكم وليست الملكية باستثناء في هذا السياق، خصوصا الملكية التاريخية مثل ملكية بريطانيا التي قدمت الأمثلة لمن كانوا محسوبين تحت ظل التاج وما زال التاج رمزا لهم في ظل الملكية التاريخية.
ويبقى الموت هو الحقيقة التي يتعلم منها الجميع والذي لا يفرق بين حاكم ومحكوم أو غني وفقير، فإن من يتشحون بالتاج والأوسمة لا تحميهم تلك من الموت ولو بعد العديد من السنين في موقع سلطة ثبت أنها زائلة بسقوط جسر لندن، ولكنه لا يسقط إلى الأبد ما دام الإصرار على الإصلاح قائما بين الشعب البريطاني وأسرته المالكة التاريخية. وهذا ما عبر عنه الملك تشالز الذي آلت إليه مسؤوليات التاج البريطاني بعد سبعة عقود وبعد سقوط جسر لندن، وهو القصة التي لن يكون من السهل نسيانها أو تجاوزها بما فيها من أبعاد إنسانية عميقة.
وهكذا إن النظم المستقرة التاريخية ينعكس استقرارها على الشعوب وتنقل تجربتها ليتعلم منها الآخرون في جميع الظروف، وأكرر تعاطفي في هذه الظروف الدقيقة مع الشعب البريطاني الصديق الذي كانت له وقفاته إلى جانبنا والتي دلت على العلاقات الوثيقة على مستوى الشعوب.