تناقلت وسائل الإعلام وعلى مدى يومين استقبالات وأحاديث رؤساء الدول والحكومات والوفود الذين جمعهم مؤتمر ميونيخ السادس والخمسين للأمن في الفترة من 14 - 16 فبراير هذا العام ويعد هذا المؤتمر أحد أهم التجمعات الدولية التي تصدر عنها رسائل مهمة عن مستقبل الحياة على الأرض، وكان الجميع بالمؤتمر يتحدثون بلهجة ملائكية بأنهم حماة الأمن والسلام في العالم وكأن هناك أشرارا من كواكب أخرى عليهم مسؤولية الحروب والصراعات والكوارث التي تحدث بفعل الإنسان.
وكم تمنيت أن يكون في مؤتمر ميونيخ من يتحدث عن ضحايا الحروب والصراعات وتكلفتها والأعباء المترتبة عليها بعد وأثناء تأجيجها، وعلى الأطفال الذين فقدوا ذويهم، وعلى المأوى والملاذ وعلى المدارس والكبار والمسنين الذين سقطوا ضحايا استهداف المدنيين، وكذلك الآثار والتراث الإنساني الذي دمرته الحروب والصراعات.
ولكن في ميونيخ كان استعراض القوى الغاشمة حتى في الاستقبالات والمجاملات بين رؤساء الوفود الذين كانوا يتحدثون بلغة الملائكة بينما سجلات الكثير تشهد بما شاركوا به في الحروب سواء بالأموال أو العتاد أو السلاح.
ويبدو أن ميونيخ في حاجة إلى صوت آخر هو صوت الحكمة والإنسانية والصدق فهي مقومات الأمن والسلام والتي لا تصنعها الجيوش والأسلحة الفتاكة.
وأتمنى أن تكون ميونيخ في المرات القادمة مضيفا لمن يذكرون العالم بالعدل والأمن والسلام بعيدا عن صخب المعارك والنزاعات باهظة التكلفة على التنمية والبشرية في كل أنحاء العالم.
ويكفي أن يشاهد المجتمعون في ميونيخ أفلاما عن المشردين والنازحين بسبب الحروب والصراعات والنزاعات أو أفلاما عن الإعاقات الدائمة الناتجة عنها أو ما تفعله عصابات التشكيلات غير الشرعية لتمويل الحروب بتجارة المخدرات والممنوعات وغسيل الأموال في البشر بهدف تأجيج واستمرار الحروب والصراعات وسد أبواب السلام والعدل الذي تتطلع إليه الأجيال القادمة التي يجب أن نتحمل مسؤوليتها بشجاعة.
ويرجع تاريخ هذا المؤتمر إلى عام 1963 حين انطلق في البداية باسم ملتقى العلوم العسكرية الدولي وكان يوصف في ذلك الحين بأنه لقاء عائلي عبر الأطلسي نظرا لاقتصار المشاركين فيه على ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية ودول الناتو فقط وفي عام 1994 تغير اسمه ليصبح مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية ومنذ عام 2008 أصبح اسمه مؤتمر ميونيخ للأمن.