من يتابع تداعيات العدوى بفيروس كورونا المستجد على مستوى جميع دول العالم وما اتخذته تلك الدول من إجراءات استنادا إلى توصيات سلطاتها الصحية يجد أن وزارات الصحة في مختلف دول العالم قد أصبحت وزارات سيادية تعطي الرأي والمشورة في العلاقات والزيارات بين الدول بل وتتدخل بقوة في حركة البشر من خلال التوصية بحظر التجول وتضع القيود، بدافع حماية الأمن الصحي، على حركة البشر والطيران بين بقاع العالم بل وتصدر الأوامر بالإخضاع للحجر والعزل والتباعد الاجتماعي وهي جميعها لم تكن قبل كورونا ضمن اختصاصات وزارات الصحة ولم تمارسها من قبل.
وبعيدا عن جدوى مثل تلك الإجراءات العنيفة ومدى فائدتها للصحة والأمن الصحي فقد أصبح صوت وزارات الصحة أعلى من ذي قبل بل وأصبحت أي إجراءات تتخذها أي جهة أخرى مسبوقة بأنها بناء على تعليمات السلطات الصحية.
وان المنطق يستوجب التقييم الموضوعي واستخلاص الدروس المستفادة لإعادة هيكلة دور الصحة ضمن منظومة الإدارة الحكومية وآلية اتخاذ القرارات ذات الصلة بالصحة وهي قرارات أصبحت تمس الأمن والاقتصاد والتعليم والعمل والنقل والمواصلات، بل والعلاقات بين الدول وبين الأفراد وخصوصا بعد استخدام كلمات غير مألوفة من قبل مثل الحجر والعزل والتباعد الاجتماعي والدول الموبوءة بينما أصبحت جميع دول العالم موبوءة الآن بعد أن أصبح كورونا وباء عالميا حسب وصف منظمة الصحة العالمية لانتشاره حول العالم الذي وضع وزارات الصحة بمختلف دول العالم أمام تحديات غير مسبوقة وقد لا تكون لديها الخبرات الكافية للتعامل معها في بعض الدول فصدرت قرارات وإجراءات مست الحياة اليومية وحقوق الإنسان الطبيعية.
وعندما يتحدث أي مسؤول ويقول انه حتى الآن لا يوجد مصل واق أو علاج أو طريقة تشخيص دقيقة لمرض ما فهذه شهادة موثقة لفشل النظم الصحية على مدى عقود طويلة على مستوى العالم كلها وعندما تطلب وزارات الصحة فرض حظر تجول أو قيود على حركة البشر من أجل تخفيف التواصل بين البشر فهذا فشل في إقناع البشر بالعادات الصحية والتزاماتهم حيال انفسهم المتعلقة بالصحة وعندما تتوقف الأعمال وتتعطل المدارس ويتراجع الاقتصاد فإن ذلك بلا شك ليس علاجا مقبولا في أي وصفة طبية بينما تعود البشر على علاج صحتهم بالأدوية والوصفات وليس بحظر التجول والإجازات الإجبارية والعزل والحجر.
وهكذا فإن محنة كورونا يجب أن تكون منطلقا لإعادة رسم دقيقة لدور وزارات الصحة ضمن الإدارة الحكومية بجميع البلاد وهل هي وزارة أدوية ومعدات وتجهيزات أم وزارة إجراءات مشددة أم وزارة أمن صحي أصبح جزءا من الأمن الوطني بأي دولة؟ أم ان محنة كورونا ستمر مرور الكرام بعد أن يتدخل العقلاء ويغيروا المسار الذي تم توجيه العالم إليه بالخطة الحالية لإعطاء الصحة دورا سياديا غير مسبوق على مستوى العالم تعويضا عن عدم وجود دواء حتى الآن؟