منذ اللحظات الأولى من العام الحالي 2020 أو قبلها بقليل والعالم أجمع لا يتحدث إلا عن جائحة كورونا المستجد والتي أسقط حدوثها أنظمة صحية وقيادات اقتصادية وأصبح التقرير اليومي الذي تصدره منظمة الصحة العالمية عن الإصابات والوفيات بجميع دول العالم مقياسا لنجاح الدول في حماية البشر.
وضع وباء كورونا المستجد مراكز البحوث الطبية والدراسات والجامعات في مواقف وتحديات صعبة لعجزها عن توفير الأمصال والدواء والكواشف، بل إن سرعة إنشاء وتشغيل المستشفيات الميدانية والمحاجر لم تشفع لمن لم يكن الاستثمار في الصحة على قمة أولوياته، بل إن الصحة اختلطت أوراقها مع الأمن الوطني والسياسة الخارجية والاقتصاد.
وبعد هذه الأسابيع العصيبة وما قامت به دول العالم من قيود وإجراءات مشددة ومعقدة أصبح لزاما على عقلاء العالم الذين مازالوا لم يفقدوا الكثير من صحتهم النفسية بسبب الحجر والعزل والتباعد الاجتماعي أن يفكروا تفكيرا جديدا من خارج الصندوق متحررين من ضغوط الكمامات وروائح المطهرات الكحولية وقيود حظر التجول، وعليهم أن يسألوا أنفسهم إلى متى يتوقف العالم باقتصاده وتعليمه ومواصلاته وعلاقاته انتظارا لإعلان اكتشاف أمصال أو أدوية أو ابتكارات ويعرف الجميع أنها حتى إذا توافرت فلن تتاح للجميع لأن البقاء للأقوى تحت حق الحصول على هذه الابتكارات الجديدة.
والأفضل الآن أن يشغل المسؤولون أنفسهم بالتفكير عن سيناريوهات عقلانية لعودة الحياة الطبيعية بصورة تدريجية وعودة الحياة إلى شرايين الدول والتخلص من الفوبيا والتداعيات النفسية للعزل والحجر وبرامج متابعة المخالطين وطرح الأفكار المتطرفة مثل الحظر الكلي ونظم المتابعة التي تنطوي على انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وتدعمها قرارات وإجراءات تعسفية.
إن شجــاعة التفــكير في سيناريوهات عودة الحياة الطبيعية لم تظهر فـــي الأفق بسبب الصندوق الأسود الذي كانوا يفكرون ويقررون من خلاله دون الالتفات إلى ما يقره العقل وحقوق الإنسان وما تم تحقيقه من إنجازات بدأت تتلاشى مع الرياح العاصفة من الوباء وما تسببه من إسقاط أوراق التوت كما نرى من حولنا حيث إن هذه الخسارة في الحرب ضد كورونا يجب تجاوزها سريعا بالاستعانة بمائدة التفاوض لحقن الدماء وحفظ الموارد ما دام العالم غير قادر على تحقيق أي انتصار الآن ونترك كورونا المستجد لأجيال قادمة بينما نحاول لملمة أوراق التوت من حولنا جميعا.