قد يكون لأزمة كورونا المستجد تداعياتها الجسيمة على العديد من المجالات ونواحي الحياة، وهذا ما لمسناه وعشناه في صورة حظر تجول جزئي وكلي وإغلاق شبه كامل للأنشطة وعزل وحجر صحي وإغلاق المطارات وتوقف الدراسة والوظائف، وكل أو معظم تلك الأمور والإجراءات كانت بذريعة الأمن الصحي الذي وصفه المسؤولون بأنه خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
ولكن من الناحية الواقعية، فإن معظم تلك الإجراءات لا تتطلب أن تكون وزارات الصحة في مقدمة المشهد، بل قد يكون من المناسب استحداث هيكل جديد للأمن الصحي إما في صورة وزارة مستقلة عن وزارة الصحة أو في صورة مجلس أعلى للأمن الصحي ويتبعه أمانة تنفيذية.
وأن يعمل الكيان مستقلا عن وزارات الصحة وتترك للصحة الملفات الصحية التي جمدت أو توقفت بسبب انشغال قيادات الصحة في مهام الحجر الصحي واستقبال وفرز العائدين من الخارج بينما ملفات وبرامج مهمة بالصحة تركت بعيدا ولا يعرف أحد مدى جسامة تداعيات تركها مثل ملف مكافحة الأمراض المزمنة غير المعدية وملف جودة الرعاية الصحية وبرامج الصحة الإنشائية والتطويرية في خطة التنمية والتي أصبحت منذ عدة شهور خارج التغطية.
ومن المقلق أن تطوى برامج التطعيم في طي النسيان لأنه لا وقت لأي مسؤول صحي للحديث إلا عن كورونا بينما كل ما يتعلق بالأمن الصحي والطوارئ ذات العلاقة بالصحة العامة يجب أن يسند إلى كيان مستقل والأنسب الآن هو تشكيل مجلس أعلى للأمن الصحي برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزراء ذوي العلاقة بإجراءات الأمن الصحي مثل المالية والداخلية والدفاع والحرس الوطني والبلدية والتجارة والصناعة والإعلام والخارجية ولنترك لوزارة الصحة الوقت والجهد اللازمين للقيام بمسؤولياتها الطبيعية على ألا تتخلى عن دورها الفني الداعم لخطط الأمن الصحي.
وأعتقد استحداث كيان مستقل للأمن الصحي هو أحد الدروس المستفادة من أزمة كورونا، ويجب أن تكون منطلقا لإعطاء الاهتمام الكافي للأمن الصحي، وليس على حساب الخدمات الصحية التي تأثرت بالفعل منذ عدة أشهر بسبب تصدر وزارة الصحة المشهد لاحتواء وباء كورونا المستجد وتجميد أو توقف برامج مهمة وحيوية ضمن مسؤولياتها الأساسية والتي لم تتمكن من الجمع بينها وبين الأمن الصحي.