المتابع لما حدث في جميع أنحاء العالم خلال النصف الأول من العام الحالي أو ما يزيد عن ذلك منذ ظهور جائحة كورونا المستجد (كوفيد- 19) يدرك بسهولة أن فرعا جديدا من الأمن الصحي قد أصبح يتبلور وتظهر ملامحه وتأثيراته على الأمن الوطني بسرعة غير مسبوقة وبالتوازي مع ذلك تنمو الديبلوماسية الصحية بسرعة وهذه التطورات بالإضافة إلى الدروس المستفادة مما عاشه العالم منذ بداية هذا العام تضع الجميع أمام تحديات لم يتعود عليها أصحاب الرداء الأبيض وملائكة الرحمة ولا يمتلكون المهارات المناسبة للتعامل معها.
فهذه مواقف مستجدة تماما مثل (كوفيد - 19) ومتشعبة ومتداخلة وقد تكون بعيدة عن تأهيل وممارسات الأطباء والهيئة التمريضية، ولكن ما عاشه العالم خلال تلك الأسابيع وضع أمام الجميع تحدي الأمن الصحي باعتباره أول التحديات التي يواجهها العالم، وعلينا ألا نكون بمنأى عن تحديد الدروس المستفادة ورسم خارطة طريق للأمن الصحي العالمي.
ولكن من أين يبدأ الأمن الصحي العالمي وما هي آفاقه وما هي مجالاته وحدوده؟ وإلى متى سيردد المسؤولون الصحيون كلمة الأمن الصحي بينما تأهيلهم ومهاراتهم لا علاقة لها بالأمن الصحي؟
أليس الآن أو في المستقبل القريب نحن بحاجة لتأصيل مفاهيم الأمن الصحي وترسيخ أهدافه وغاياته ودعم الجهود لتنمية قدرات التخطيط والتنفيذ لبرامجه بداية من غسيل وتطهير الأيدي ومرورا بالعزل وانطلاقا إلى البحث والتطوير لتعزيز الأمن الوطني بابتكار وتجربة الأسلحة الحديثة ومن بينها الأسلحة الذكية والمسيرة.
ولكن لو أنفق العالم على الأمن الصحي نسبة متواضعة مما ينفقه على الأمن الوطني والتسليح لكانت وطأة كورونا المستجد أخف بكثير ولما علا الصراخ والألم مما خلفته هذه الجائحة وهزت الإنسانية والتنمية بجميع دول العالم وعصفت بأنظمة صحية وسياسية.
وقد آن الأوان ليكون للأمن الصحي ما يستحقه من موارد واهتمام ومتابعة على جميع المستويات وبجميع الدول ومن خلال سياسات وبرامج مبنية على الأدلة والبراهين العلمية والدروس المستفادة لمن يريد أن يستفيد ولديه الإرادة والقدرة على ذلك، فالتحدي كبير وغير مسبوق من قبل.