تتردد كثيرا مقولة إن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، ولا يعني خضوع أي شخص للتحقيق أنه مدان أو أن تلاحق الإدانة ذويه وأهله لسنوات، ولكن المجتمع لا يرحم ولا يفرق بين متهم ومدان والإعلام ينشر أحكام الإدانة أو التحقيقات بأبرز الأماكن وبأحرف كبيرة أما أحكام البراءة فلا تستهوي أحدا. وكذلك فإن الأخبار الإعلامية تتصدر المواقع وتنتشر بلا رحمة لأي متهم حتى لو لم يصدر القضاء العادل حكمه بعد ولم تستنفد درجات التقاضي التي توفر العدالة وتنصر المظلوم.
أما الاهتمام الإعلامي المُبالغ به في بعض الأحيان ينشر التحقيقات وكأنها أحكام نهائية ليكون له السبق الصحافي علما بأن تداعياته على المجتمع تصعب معالجتها، بل قد تكون تداعياته على أبرياء بدون مبرر. والمتابع للتغطيات الإعلامية للتحقيقات والأحكام الابتدائية قد يعتقد أن الفساد استشرى، أو أنه يجد من يرعاه وواجب الحذر في مثل هذه التغطيات الإعلامية حتى لا تتزعزع الثقة بمؤسسات عريقة بسبب تحقيق أجري مع أحد مسؤوليها أو بسبب شبهة فساد أو غسيل أموال أو اتجار بالبشر.
ولذلك فإنني أدعو إعلامنا المسؤول أن يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار ولا ينجرف إلى تشويه سمعة أبرياء أو قصف مظلومين أو إصدار أحكام مسبقة على أبرياء. ويجب على الإعلام أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والمهنية والوطنية ورفقا بالأبرياء وبأسرهم وبالوطن الذي لا يقبل الظلم ولا يقبل بغير القضاء العادل، فالعدل هو أساس الملك.
وأتمنى أن تصل رسالتي إلى جميع وسائل الإعلام، وخصوصا التواصل الاجتماعي والمواقع التي تصدر يوميا أحكاما على أبرياء من منصات إعلامية قد لا تكون صحيحة وبعيدا عن منصات القضاء. إن تشويه سمعة بريء أو النيل من مظلوم بلا دليل لا يعبر عن الجدية والإرادة لمكافحة الفساد، بل إنه يؤثر سلبا على الجهود والإجراءات الجادة لمحاربة الفساد وملاحقة المستفيدين منه.
إن الحماس لمحاربة الفساد وتجفيف منابعه لا يكون ذريعة لتشويه سمعة أبرياء أو لإصدار أحكام من خارج القضاء، حيث إن المكان الطبيعي لملاحقة الفساد هو ساحات القضاء العادل وليس منصات التواصل الاجتماعي أو الإعلام الورقي التقليدي، حيث إن عاقبة الظلم شديدة ولا ترد دعوة المظلوم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وكم من أمثلة في حياتنا عن هلاك مسؤولين بسبب دعوة مظلوم.
أرجو من جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عدم الترويج لأخبار قد لا تكون دقيقة حرصا على مصلحة الوطن وتحقيقا للعدالة الإنسانية.