منذ الحرب العالمية الثانية ومع ما يشهده العالم من حراك في مجالات حقوق الإنسان والتوعية بها وحشد الدعم من أجلها وبصفة خاصة من المثقفين، فقد برزت حرية التعبير بكل أشكالها وأنواعها كأحد الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان مهما كان أصله أو جنسه أو لونه. وارتفعت الأصوات العالية والصاخبة بمختلف الأماكن تحت ذريعة حرية التعبير والتي كانت من أسباب فرض عقوبات على دول وأنظمة وسقوطها.
إن حرية التعبير هي قدرة الشخص على التعبير عن أفكاره وآرائه دون وجود قيود رقابية أو حكومية بشرط عدم التعدي على أعراف وقوانين الدولة التي يعيش فيها وعدم التعدي على الآخرين وهي تعتبر جزءا أساسيا من كرامة الإنسان وتساهم في تبادل الأفكار وتعتبر من أهم أسس الحوار.
ولابد من تحديد حدود حرية التعبير وكيف يتم استخدام هذا الحق استخداما حكيما رشيدا دون المساس به وهذه هي المعادلة الصعبة أمام أنظمة الحكم وقيادات الدول في ظل الفضاء الرحب للإعلام والتقنيات الحديثة في البث والنشر بل والمونتاج والفبركة.
أما من يتطلعون للممارسة الحكيمة لحرية الرأي فإنهم أحيانا لا يجدون آذانا صاغية لآرائهم وتلاحقهم الاتهامات بتكميم الأفواه وقمع الحريات وانتهاك الحق في التعبير كأحد حقوق الإنسان الأساسية.
إن ترسيم حدود حرية التعبير أصبح ضرورة ملحة لحفظ حقوق الإنسان في الخصوصية والكرامة الإنسانية والمساواة وهي حقوق أصابتها شظايا انطلقت مصاحبة لبعض الممارسات غير المسؤولة التي تمارس السلوكيات دون حدود وقد تؤدي إلى مضاعفات كارثية بذريعة حرية التعبير. وكم من أبرياء لاحقتهم افتراءات وإشاعات من منصات التواصل الاجتماعي، وكم من بيوت آمنة عصفت بها هجمات الذباب الإلكتروني، وكم من خطط وبرامج إصلاحية توقفت بسبب حملات مبرمجة لأغراض شخصية انطلقت من مواقع مشبوهة، وكم من فتن اندلعت بسبب حرب نفسية من المواقع الإلكترونية غير المسؤولة.
ولذلك فإن حرية التعبير يجب ترسيم حدودها بدقة وعناية لأهميتها وللقضاء على الآراء التي تشوه صورة الآخرين وتسيء إليهم.