بقلم: حمود ناصر العتيبي
قابلت أديبا سودانيا عاش ردحا من الزمن في ماليزيا، هناك.. ذاق مرارة الغربة وحرارة البعد.. وأدرك عشق البلاد وفراقه، وعرف الشوق ورأى مضمار الترقب واجتهد في سباقه، فبلادنا وإن كانت صحراء قاحلة، لا تساويها في الدنيا بلاد، هي الحنين وطيف الأحبة وعبق الذكريات والمربى الأول والمنزل الأجمل والروح المتقدة، واختلاط أصوات الحارة كنغمة تسمو بالنفس وتذيب الهموم، هي الطباع التي ما مل من عاشها لأنها الحياة بكل معانيها احتوتك جنينا وتلقفتك رضيعا وجريت في نواحيها طفلا ونشأت بين أزقتها صبيا وتعلمت مكارم الأخلاق فتى وشابا، أفلا يرفرف القلب لهاتيك المرابع؟ وألا يطرب القلب لحبهم وتسيل المدامع؟ أو يلام المطرق في إطراقه؟ فلن تدرك ما به إلا إذا كان قلبك في أعماقه!
لكن صاحبي رأى في ماليزيا ما أبهره وأنعشه وسر خاطره، رآهم يقدرون الكبير فيقبلون يديه تقديرا واحتراما ويرحمون الصغير ويعلمونه حتى يكون جبلا وهامة، يصنعون ويبذلون وينشطون وينطلقون بلا هوادة فما مرت على قواميسهم البلادة، هم كما يقول: قصار الجسوم كبار الحلوم.
يعلمك صغيرهم كيف تشرب الماء متبعا سنة المصطفى عليه السلام وكيف تجلس جلسة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تخفض صوتك كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تنام وكيف تقوم وكيف تعمل وكيف وكيف وكيف، عاشوا الدين تطبيقا بلا تكلف ومارسوا تعاليمه وبددوا التخلف، هذا الرجل المجرب والذي جاب البلدان وتضلع من تجارب الأيام، يقول: وجدت البعض في بلادكم يلبسون ويتأنقون ويعيشون حالة من التعاظم والارتفاع، فإذا تحدث وجدته خاويا لا يحسن الكلام ولا يحمل في جعبته سوى أوهام الشكليات، وشبح الجهل يلهو في أرجاء عقله.
لذا حينما تزول الشكليات وينطفئ وهجها سيصاب المرء بالهلع حينما يشاهد صورته الحقيقية، وقد يذهب وهج الشكليات إما بانتهاء هذا الجو المزيف أو بوصول الانسان إلى عمر يشاهد من خلاله حقيقته المرة ويدرك ضياع وقته، وهناك من أدرك الحقيقة في وقت مبكر حينما خرج من عالمه، وقابل الناس بثقافاتهم المختلفة وظروفهم المتنوعة وخلفياتهم المتعددة، فخرج من عالمه ليدرك ما لديه من خلال الملاحظة الدقيقة والتي لا يدركها مع من عاشوها وتصرفوا بمثلها فأصبحت جزءا لا يتجزأ منهم.
مجرد الخروج من ضبابية المألوف من الطباع، سيعطيك الحجم الحقيقي لها، لتتدارك النقص، وعلى أقل تقدير فكر في مصاحبة أهل الدراية بشتى جنسياتهم لتتعلم بأن حولك عالم أكثر جدية وكفاحا من عالمك.
humod2020 - [email protected]@