كان المفترض أن أكتب اليوم عن «أزمة» البورصة المصرية وحزمة القرارات التي اتخذتها الدولة للحيلولة دون تراجعها ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد المصري.. ولكن.. تقاطر عشرات الاتصالات والرسائل المؤيدة والمعارضة والمستفسرة عن قرار نقابة المهن الموسيقية ونقيبها الفنان القدير هاني شاكر بمنع 19 من مطربي المهرجانات من الغناء في الحفلات والأماكن العامة، اضطرني إلى تأجيل مقال البورصة، والخوض مرة ثالثة ـ وأتمنى أن تكون الأخيرة ـ في مسألة «منع» مطربي المهرجانات، الذين لا أتحمل ـ شخصياً ـ سماع مقطع واحد لأغلبهم!
أكرر: أؤيد هاني شاكر في التصدي «القانوني» لأي كلمات بذيئة أو حركات مسيئة تصدر عنهم أو عن غيرهم، ولكن وللمرة الثالثة أنا ضد ثقافة «الوصاية» على الشعب، سواء كانت هذه الوصاية سياسية أو ثقافية أو فنية أو رياضية.
وكما أوضحت بالأمس «المنع ليس الحل»، خاصة في ظل تطور وسائل العرض وتحولات تأثيرها لصالح منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات والبرامج، والتي يمكن من خلالها مشاهدة العمل الفني من قبل ملايين المشاهدين دون مرور أيام معدودة على بثه، ودون «صداع» الرقابة.. وتضييق الرقباء، ووصاية الأوصياء.
لذلك، دعونا ننظر إلى الواقع الأشمل، وليس فقط مطربي المهرجانات، بالأمس كتب صديقي العزيز جمال زايدة ممتدحاً حفل افتتاح دار الأوبرا الجديدة في العاصمة الإدارية وحضور أوركسترا فيينا الفيلهارموني بقيادة المايسترو العبقري ريكاردو موتي، وطبعاً حضرته فقط «كريمة» المجتمع السياسي والثقافي، ودفعني ذلك للتساؤل: هل حاولنا نشر ثقافة مشاهدة والاستماع الى أوركسترا عالمي بين الشباب بأي شكل؟ وهل خصصنا جزءاً من الاحتفالية لنخبة الشباب؟ وهل تنظم دار الأوبرا الحالية حفلات منتظمة بأسعار تذاكر تتناسب مع الشباب ليتعودوا على حضورها، ولا أقصد حفلات القاعات الصغيرة التي تقيمها فرق أم كلثوم والموسيقى العربية وغيرها؟ وهل تساهم شاشات الفضائيات وأجهزة الإعلام في نشر ثقافة الموسيقى والغناء المحترمين لتعريف الشباب بهما بدلاً من ترك أذواقهم فريسة لأصوات «تجعير» المهرجانات؟ وهل وضعت الدولة وأجهزتها خططاً لمواجهة الابتذال والانحطاط والإسفاف؟ مصر عرفت الأوبرا منذ 1869، فهل استطاعت ـ مع غيرها من الوسائل ـ الارتقاء بالذوق العام؟
ولماذا لم «تتضافر» جهود نقابة الممثلين مع نقابة الموسيقيين لإيقاف «أسطورة» عاري الصدر صاحب رائعة: «أديك في الجركن تركن.. أديك في السقف تمحر.. أديك في الأرض تحفر»؟!
يا سادة يا محترمين.. قول أخير: الارتقاء بالمجتمع له جناحان، أولاً: تفعيل القانون وتطبيقه على الجميع، وسد ثغراته، لذلك أؤيد تماماً قرار هاني شاكر، شرط أن يكون قانونياً.
ثانياً: وضع وتنفيذ خطة متكاملة لدعم ونشر الفنون الراقية بكل صورها، حتى الشعبي منها، ثم ترك الناس لتفرق بين الغث والسمين.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]