رحم الله الشيخ صالح كامل مؤسس مجموعة «دلة البركة» القابضة، رجل الأعمال السعودي الذي التقيته في بداية التسعينيات وأجريت معه حواراً صحافياً قال فيه: «أنا لا أشتري أسهماً في البورصة، بل أؤسس شركات ذات قيم مضافة، تحقق فرص عمل للناس»، وأضاف انه لم يعمل مضارباً في الأسهم في أي بلد إطلاقا، بل يعتبر ان البورصة «نشاط طفيلي» يربح شخص ليخسر آخر، دون إضافة فرصة عمل واحدة لشخص يبحث عن عمل، وقال - رحمه الله - إن سوق البورصة ليست مجالاً حقيقياً للتنمية، وإن الاستثمار الحقيقي يكون في عمل كيانات اقتصادية تحقق فرص عمل للناس».
وبالرغم من أن دولاً وأنظمة ورجال أعمال لم يقتنعوا بكلام الشيخ الراحل، فإنني وجدت فيه منطقاً مقبولاً، ولم أشتر في حياتي سهماً واحداً، وكنت أراقب أصدقاء مقربين بعضهم يحقق مكاسب كبيرة، وبعضهم يخسر كل شيء في «مضارباتهم البورصوية».. وأترحم على الشيخ صالح كامل.
قبل أيام طالعتنا وسائل الإعلام الاقتصادية بخبر عاجل مفاده: «تبخر 10 مليارات جنيه من السوق»، وسارع المراقبون والمحللون بإرجاع الأمر إلى موجة مبيعات قوية من مستثمرين مصريين وأجانب (كبار)، وفشل كل محاولات الشراء في الحفاظ على تماسك السوق واضطرت إدارة البورصة إلى وقف تداول عدد كبير من الأسهم بسبب تجاوز هبوط أسعارها النسبة المحددة وهي 5% من قيمة السهم.
حدثت المشكلة يوم الأربعاء 17 نوفمبر، بعد أسبوع واحد من اتخاذ الحكومة حزمة إجراءات محفزة لدعم السوق وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال، تضمنت خفض مصاريف التداول وإلغاء ضريبة الدمغة على تعاملات سوق الأوراق المالية للمستثمر المقيم، وتخفيض الضريبة على الربح المحقق في الطروحات الجديدة بنسبة 50% أول عامين، وعدم فتح ملفات ضريبية للأفراد المستثمرين في البورصة.
ورغم كل ذلك.. وقع التراجع الحاد، أي ان «اللاعبين الكبار» لم تعجبهم «حزمة التحفيز» ويريدون المزيد! ويدفعون السوق للتراجع حتى لو خسر «صغار المستثمرين» كل شيء!
ملخص الأمر أن «الكبار» يريدون تخفيضات ضريبية أخرى، والحكومة تحاول عدم تقديم مزيد من «التنازلات»! دون الدخول في تفاصيل تزيد هذا المقال «ثقل دم»!
وبغض النظر عن مشروعية مطالبات «الكبار»، وتبخر مدخرات «الصغار»، والموقف الحكومي من الإصلاح.. لدي سؤال أرجو أن يجيب عنه أحد «جهابذة» البورصة:
الاقتصاد المصري حظي بإشادات دولية رغم تأثيرات كورونا، وحقق معدل نمو 3.3%، وخفض العجز الكلي للموازنة.. وغيرها مما جاء في تقارير عالمية، ومع ذلك لم ينعكس ذلك إيجابا على البورصة التي يفترض أنها «مرآة الاقتصاد»، وكان أداء البورصة هو «الأسوأ» بين كل البورصات عام 2021، فهل بورصتنا «مرآة ملاهي» تغير أبعاد الأجسام الحقيقية؟
أين الخلل.. هل في صحة التقارير المحلية والعالمية حول اقتصادنا؟
أم في تعامل الدولة مع السوق؟ أم في «جشع» لا يجد من يتصدى له؟
أجيبوا حتى نثق في اقتصادنا.. يرحمكم الله.
ورحم الله الشيخ صالح كامل.. وحفظ مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]