قبل عدة أعوام، التقيت في أحد فنادق دولة خليجية بمسؤول مصري رفيع في عشاء ضمّنا مع أحد المستشارين «المهمين» بالسفارة المصرية، وعرّفني المستشار أن الضيف الزائر، ذا الرتبة الرفيعة، هو أحد المسؤولين الذين تثق فيهم القيادة السياسية، وتُلقى على عاتقه مسؤولية متابعة عدة مشروعات استراتيجية، وبعد التأكيد على أن كل ما سيدور خلال العشاء، وأياً كان ما سيقوله المسؤول الزائر، فيجب تصنيفه على أنه «غير قابل للنشر أو الاستخدام الإعلامي بأي صورة من الصور»، وقد التزمت بذلك، مع طلبي أن أستخدم ما أراه مناسبا ضمن مقالاتي كمعلومات موثوقة، وليس كأخبار لها مصادر.
تذكرت اليوم عبارة مهمة قالها الرجل، وتابعت صحتها مع مرور الوقت منذ ذلك الحين، إذ قال «ذات مرة اجتمعت بنا القيادة السياسية، وكنا مجموعة يقل عددها عن أصابع اليدين، وأخذ المتحدث يؤكد على كراهيته لكلمة «سوف» بل وحتى حرف «السين»، وأنه لا داعي أبدا للظهور الإعلامي ما لم يكن هناك داع وضرورة، ولا داعي لاستخدام تعبيرات «سوف نفتتح كذا.. أو س.. ننشئ ذاك، أو إننا سنعمل المشروع الفلاني».
ويضيف الرجل، وهو ينهي حديثه موجها كلامه إلى مستشار السفارة ولي: «منـــذ ذلــك اللقــاء ونحــن نلتــزم بـ «التعليمات» قدر الإمكان، لذلك تفاجأون أحيانا بمشروعات عملاقة وقد تمت بالفعل أو شارفت على الانتهاء دون أن يتم الإعلان عنها إعلاميا».
اندفعت سائلا سيادته: «ربما المقصود هو ضرورة الإنجاز في صمت، دون جعجعة حول «مشاريع» قد لا ترى النور أصلا، وهذه فضيلة، ولكن أليس من حق الشعب والإعلام والمجتمع المعني بالمشروع معرفة تفاصيله وطرحه للنقاش قبل البدء في التنفيذ إذا لزم الأمر؟ فربما أدى ذلك إلى تلافي انتقادات كثيرة لاحقة».
نظر لي الرجل بصرامة وتغيرت نبرة صوته وهو يقول: نحن لا ننفذ شيئا قبل خضوعه لدراسات وافية واطلاع «الخبراء والمختصين» عليه، وغالبا لا داعي للسفسطة الإعلامية أو الشعبية، أوليس مجلس النواب بكافٍ كممثل للشعب؟
تذكرت هذا الحوار وأنا أتابع قاطني الساحل الشمالي ما بين سيدي كرير وحتى ما قبل «مارينا» وهم يضربون أخماسا في أسداس عندما فوجئوا بإنشاء قواعد 4 جسور عملاقة تعبر الطريق عرضيا إلى داخل البحر!!
وبعد استفسارات عديدة كانت الردود الغامضة والاستنتاجات اللوغاريتمية وشائعات العالمين ببواطن «الجسور» تؤكد أنها لخدمة جزيرة «عملاقة» على غرار «نخلة» دبي «سوف» تنشئها شركة خليجية أمام الساحل الطيب!!
بس كده؟! لا طبعاً، وأن الدولة العميقة والحكومة الرشيدة أنذرت بعض القرى «الطيبة» بأنها ستزيل المنشآت القائمة منذ عشرات السنين لمسافة 200 متر من شاطئ البحر!
ولِمَ الإزالة؟ يجيء الرد: «ليه.. معرفش» (بصوت فؤاد المهندس!!).
راجعت كل خطط تطوير الساحل الشمالي فلم أجد إشارة تكشف سر الجسور الغامضة أو الجزيرة المسحورة.. فهل نجد إجابة ما لدى معالي وزير الإسكان أو سعادة محافظ الإسكندرية أو حتى (مساعد نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية م.أحمد عمران) الذي زار المشروع قبل أيام؟!
أتمنى ومعى مئات الآلاف من قاطني الساحل الطيب أن يرد مسؤول ما على السؤال العويص!!
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
https://linktr.ee/hossamfathy