تظل إجابة السؤال الأهم معلّقة: هل نحن مستعدون للسيناريو الأكثر سوءاً؟ وأنا هنا لا أقصد الاستعداد العسكري إطلاقاً، لأنني أثق تماماً في قدرات القوات المسلحة المصرية، تسليحاً وقيادة وضباطاً وجنوداً واستعداداً، وأثق في حفظ الله لمصر وأهلها.
ولكن أقصد بالاستعداد «الجبهة الداخلية» المصرية وتماسكها وتلاحمها ووقوفها صفاً واحداً عضيداً لقيادتها، وقبل الخوض في التفاصيل دعونا «نتخيل» أسوأ سيناريو ممكن، وهو كالآتي: تستمر قوات الاحتلال الصهيوني في تدمير قطاع غزة، وبعد أن دفعت أغلب السكان جنوباً هروباً من المذابح تقطع طريق العودة ثم تواصل مجزرتها الوحشية ضد اللائذين بالهرب جنوباً وتدفعهم دفعاً تحت وابل رصاص الخسة ودانات مدافع الغدر وصواريخ طائرات الجبن، فلا يجدون مفراً من الموت سوى اقتحام الحدود المصرية واللجوء إلى سيناء حفاظاً على حياتهم، رغم تمسكهم بأرضهم التي حولتها سلطات الاحتلال إلى قطعة من الجحيم لا تصلح للحياة الإنسانية، فماذا نحن فاعلون إذا وقعت الواقعة - لا قدر الله - ووجدت القيادة السياسية نفسها بين قرارين كلاهما «مُرّ»: إما أن نسمح لإخوتنا بعبور الحدود حفاظاً على سلامتهم وفيهم الأطفال والنساء والعجائز، وإما أن نحمي القضية الفلسطينية نفسها من الضياع، وندافع عن حدودنا من الاختراق ونمنع دخولهم فنكون قد وضعناهم بين شقي رحى.
الأمر سيكون صعباً جداً وأشفق على صانع القرار المصري من تحمل مسئوليته أمام ضميره، وضمائر المصريين وأمام العالم كله، لكنه أمر وارد «كأسوأ سيناريو» تسعى مصر إلى تجنّبه عبر رحلات مكوكية لوزير الخارجية لشرح الموقف المصري لعواصم صنع القرار، وتكرار وتشديد كل القيادات السياسية والتنفيذية على عدم السماح بحدوث التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء.
.. ولكن هل سيضيع دهاة الصهاينة هذه «الفرصة الذهبية» التي ربما لا تتكرر: العالم الغربي يعتبرهم مدافعين عن وجودهم، وأمريكا وبريطانيا وفرنسا أرسلت حاملات طائراتها وغواصاتها إلى شواطئ البحر المتوسط، وألمانيا ومعها أغلب أوروبا «الرسمية» غير مقتنعة بالضغط على تل أبيب لوقف إطلاق النار، والعالمان الإسلامي والعربي لا يملكان «القوة اللازمة» لإجبار الكيان الصهيوني على التوقف.. هل هناك «ظرف» أفضل من ذلك لتنفيذ التهجير القسري «عنوة»، وحينها لا نملك إلا ترديد قوله تعالى: (كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم - البقرة: 216).
والله غالب على أمره.. فهل نحن مستعدون للسيناريو الأسوأ؟.. وغداً للحديث بقية إن كان في العمر بقية.
.. وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
https://linktr.ee/hossamfathy