«في المغرب - لا تستغرب».. عنوان سلسلة موضوعات نشرتها في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي بعد رحلة إلى المملكة المغربية تواصلت على مدى 15 يوما في ضيافة الحكومة المغربية، حيث حرص المضيفون على أن نتجول في أكبر عدد ممكن من المدن التاريخية، وكان سحر التاريخ يتنفس في كل جوانب المملكة العريقة، وتعددت الانطباعات وتباينت ما بين سلوكيات شعب محب لمصر.. عاشق لأم كلثوم وعبدالوهاب.. متيم بأصوات الحصري والطبلاوي وعبدالباسط.. تتوقف الحياة ويخف الازدحام في شوارع مدنه مع موعد بث مسلسل لأسامة أنور عكاشة، أما أكثر ما أثر في مخيلتي فكان ذلك التمازج الفريد بين رائحة التاريخ في أزقة فاس وحواري مكناس وشوارع مراكش وبين هذه «الألوان» المتناسقة الرائعة التي تميز كل مدينة..
لا شعورياً وجدت نفسي أقارن بين اللون الرمادي الترابي «المغبر» الذي يكسو واجهات عمارات وسط البلد في قاهرة المعز البديعة، ولون الطوب الأحمر «المقزز» في عشوائياتنا، وبين هذه اللوحة الزرقاء التي رسمتها يد المغاربة في مدينة «شفشاون» شمال المغرب الملقبة بـ «غرناطة الصغيرة» أو المدينة الزرقاء، حيث اختار سكان المدينة التي يزيد عمرها عن 550 عاماً استخدام درجات اللون الأزرق السماوي في كل أرجاء المدينة.. الحوائط.. المباني.. الشبابيك.. الشوارع.. السلالم الخارجية.. فأمست المدينة وكأنها عالم سحري تضيئه نجمة زرقاء مسحورة!!
أما مراكش الحمراء.. فقد اختار اهلها منذ القدم أن يكون اللون الأحمر الطوبي يغلب على كل منازلها العتيقة وأسوارها القديمة، واستنت السلطات هناك قوانين تلزم الجميع بالالتزام باستخدام درجاته «الأحمر» في كل مستويات منازلهم سواء القصور أو منازل البسطاء.. ولا توجد عشوائيات!!
..و«تطوان».. الحمامة البيضاء الناعسة على ساحل المتوسط، و«كازابلانكا».. وغيرها من المدن الملونة الرائعة.. تذكرت هذه الانطباعات وأنا أقرأ عن التوجيهات الرئاسية بضرورة إخفاء «قبح» لون الطوب الأحمر الكارثي من واجهات وجوانب بيوت مصر المحروسة، واستمعت إلى تصريحات وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي بضرورة أن ينفذ المحافظون قانون البناء الموحد رقم 119 لعام 2008 وأن يلزموا أصحاب العقارات بدهان واجهات المنازل مع توحيد ألوان المنازل في مختلف محافظات مصر وأنه (وانتبهوا للآتي!!) «ستكون لكل محافظة حرية اختيار تحديد اللون الموحد للعقارات.. ولن يتم فرض أي ألوان»!!
معالي الوزير أرجوك.. تريث في موضوع «حرية اختيار الألوان».. قبل أن تتحول مصر إلى لوحة للفنان العالمي بابلو بيكاسو!!
وللحديث بقية.. إن كان في العمر بقية.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]