في هذا اليوم من أيام الشهر الكريم المبارك استرخيت على أريكتي في خلوة رمضانية مع نفسي، ألملم شتاتي وأرتب أولوياتي وأفكر في حالي، أعيش أجواء إيمانية زاخرة حيث المآذن تصدح بالله أكبر وحي على الصلاة، والمساجد تزدحم بالمصلين والمصليات وأصوات المقرئين الجميلة تحلق بنا إلى أعناق السماء، فتنزل السكينة على قلوبنا والخشوع يتغلغل في أعماقنا، وفي هذه اللحظة تسكب المدامع العبرات وتلهج الألسن بالدعاء، الكل يستغيث ويرجو الكريم ذا الجلال والإكرام.
رمضان هذا العام بالنسبة لي مختلف عن باقي الأعوام، حيث أعيش تجربة رمضانية جديدة وفريدة لم أعشها منذ نعومة أظافري، في العام الماضي عشت تجربة رمضانية جديدة خيرية بحتة وهي ولأول مرة أقوم بتعبئة وتوزيع السلال الغذائية على الأسر المتعففة.. جهود جبارة نسأل الله القبول.
لكن في هذا العام الوضع مختلف الأجور تهطل علي بغزارة وأنا في بيتي، أرى الدهشة ترتسم على وجوهكم والسؤال على طرف ألسنتكم وهو كيف؟؟
قدر الله وما شاء فعل أن دخل علينا شهر رمضان وأنا بيتي كباقي البيوتات الكويتية خال من الخدم والحشم والطهاة، وضع لم اعهده منذ طفولتي، ففي بيتنا كانت والدتي طيبة الياقوت، رحمة الله عليها وعلى والدي، طباخة من الطراز الأول، حيث كنت أساعدها في إعداد الأطباق الرمضانية بكل أريحية وطيب خاطر على الرغم من وجود الخدم والحشم، حيث استفدت من خبرتها الغزيرة، وهذه الخبرة أفادتني كثيرا في حياتي الجديدة، حيث إنني تزوجت بعد ذلك وانتقلت إلى بيت الحمولة «أهل زوجي» وهناك في بيت الحمولة كان الخدم والحشم يعدون الطعام طوال السنة حتى في رمضان كحال معتاد في كل بيت كويتي، وحتى عندما انتقلت إلى بيتي الجديد ظل الحال على ما هو عليه، وكان دوري هو مجرد إشراف على المنزل والمطبخ، أما في العزائم والولائم فكنت إلى جانب الإشراف على كل صغيرة وكبيرة وعلى الرغم من وجود طاقم الخدمة كنت أخدم ضيوفي بيدي وهذه عادة أحبها وأتشرف بها.
لكن رمضان هذا العام بات مختلفا عن الرمضانات السابقة فمعظم البيوتات الكويتية تشكو من قلة العمالة المنزلية والطهاة وبيتي أحد هذه البيوتات فماذا أفعل؟ هل اجلس وأندب حظي وأظهر عجزي كما يفعل البعض؟ لا وألف لا بل استجمعت قواي واستجلبت خبرتي التي اكتسبتها من والدتي، رحمة الله عليها، فهي من حببت إلى نفسي الطبخ وإدارة المنزل باحتراف، فقد كان يلفت نظري ويعجبني تفانيها واستمتاعها في خدمتنا وخدمة أهل زوجها فبيت والدي، رحمة الله عليه، كان بيتا مضيافا مفتوحا للقاصي والداني، وهنا عقدت العزم على السير على نهج والدتي وشاكست نفسي الأمارة بالسوء بأني عاجزة ولن أتمكن من إدارة هذه الأزمة وخاصة وأنا صائمة وبعد طول انقطاع عن المطبخ والأعمال المنزلية، فلم استسلم لهذا الضغط وبحول الله وقوته استجمعت قوتي واستجلبت خبرتي في الطبخ وأعددت العدة واستحضرت النوايا لهذا الإنجاز الرهيب ومنها: افطار الصائمين، تقوية أهل بيتي على العبادة، إدخال البهجة والسرور على نفوسهم، التوفير في الميزانية وذلك بطعام نظيف ولذيذ من صنع يدي بدلا من جلبه من المطاعم، إلى جانب نية مساعدة عاملة النظافة في منزلي والتي تجهل أبجديات التنظيف، فهي لأول مرة تخرج من بلدها للعمل كعاملة نظافة.
ودخل علينا الشهر الكريم بنفحاته الإيمانية فبدأت أتفنن في الطهي واستمتع بتقديم أصناف الطعام ورسم البهجة على وجوه أهل بيتي، ولم أغفل عن عباداتي وصلة أرحامي وكتابة مقالاتي ووضع خطتي المناسبة لظروفي، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالعبرة ليست بالكثرة إنما بالجودة وإخلاص النية لله، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
ومن هذا المنبر أدعو الأمهات الفاضلات إلى عدم الاستسلام لهذا الظرف الطارئ بل اجتهدي وضعي بصمتك في بيتك وكوني سيدة منزل مرموقة يقتفى أثرها ويستفاد من خبرتها وخاصة بناتك فدوام الحال من المحال.
ebtisam_aloun@